للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما التوكيد اللفظي؛ فهو المكرر به ما قبله (١)، فإن كان جملة، فالأكثر اقترانها بالعطف (٢)؛ نحو: ﴿كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ *، ونحو:

(١) إما بنصه وعينه، ولا يضر بعض تغيير يسير؛ نحو: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾؛ فكلمة "أمهل" توكيد لفظي لمهل، و"هم" عائدة على الكافرين لا محل لها من الإعراب. من الآية ١٧ من سورة الطارق. ومن هذه الآية يتبين: أنه يجوز في التوكيد اللفظي الفصل بين المؤكد والمؤكد.

وإما بمرادفه قول الشاعر:

أنت بالخير حقيق قمن

أي جدير: والمرادف: لفظ يؤدي معنى لفظ آخر تماما، ويخالفه في حروفه، ويكون اسما؛ مثل: ذهب وتبر، وفعلا، مثل: قعد، وجلس، وحرفا؛ نحو: نعم، وجير، ولا يصح تكرار اللفظ المؤكد أكثر من ثلاث مرات؛ لأنه لم يسمع غير ذلك، والغرض من التوكيد اللفظي: تمكين السامع من تدارك لفظ لم يسمعه، أو لم يتبينه من أول الأمر.

وقد يراد منه التهديد؛ كقوله تعالى -في خطاب المعاندين بالباطل: ﴿كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ وقد يكون للتهويل كقوله -سبحانه: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾. وأحياناً يقصد به التلذذ بترديد لفظ مرغوب فيه؛ نحو: الصحة الصحة أغلى شيء، الجنة الجنة نعم من يفوز بها، مصر مصر جنة الله في أرضه. وقد اقتصر الناظم على تعريف التوكيد اللفظي فقال:

وما من التوكيد لفظي يجي … مكررًا كقولك ادرجي ادرجي*

أي: والذي هو لفظي من التوكيد، يجيء مكررا، سواء كان التكرار باللفظ والمعنى، أم بالمعنى مع اختلاف اللفظ، كما أوضحنا.

(٢) وهو "ثم" خاصة، وجعل الرضي الفاء كثم، ويؤيده: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾، والعطف هنا صوري، لأن بين الجملتين تمام الاتصال، فلا تعطف الثانية على الأولى عطفا حقيقيا،


* "وما" اسم موصول متبدأ. "لفظي" خبر لمبتدأ محذوف، أي هو لفظي، والجملة لا محل لها صلة ما، "من التوكيد" متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في لفظي؛ لأنه في تأويل مشتق؛ إذ هو منسوب. "يجي" فعل مضارع، والجملة خبر ما. "مكررا" حال من ضمير يجي. "كقولك" خبر لمبتدأ محذوف. "ادرجي" فعل أمر، مبني على حذف النون وياء المخاطبة فاعل، والجملة مقول القول، وادرجي الثانية توكيد. وإلا كانت التبعية بالعطف لا بالتوكيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>