للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَضِرِ تَأْكُلُ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ ثُمَّ أَفَاضَتْ فَاجْتَرَّتْ مَنْ أَخَذَ مَالًا بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَ مَالا بِغَيْرِ حَقَّهِ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ" ١.

قَوله: "إنّ الخيرَ لا يَأْتِي إِلا بِالْخَيْرِ وَلَكِنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ" مَثَلٌ يُريدُ أنّ جَمْعَ المَال واكتِسابَه غيْرُ مُحرَّمٍ ولكنّ الاستكْثارَ منه والخروجَ من حد الاقتصاد فِيهِ ضار كَمَا أن الاستكثار من المآكل مسقم والاقتصاد فيه محمود. ونظيرُ هذا من الكلام قول الأحْنف بْن قيْس. وقيل لَهُ الحياءُ خَيْرٌ كله فَقَالَ إِنّ مِنهُ ضُعْفًا يُريدُ أنّ ما خَرجَ من حدِّ الاعْتدال لم يَكُنْ خيْرًا لكن ذَلِكَ يسْتَحيلُ ضُعْفًا وَخَوَرًا كالجُود إذَا أفْرطَ صارَ سَرَفًا وكالشّجاعة إذَا أَفْرَطَتْ صارت تَهوُّرًا وَكَالحزْم إذَا أَفْرَطَ صار جبنا إلى ما أشْبه هذا.

وقولُهُ: "الدُنْيا حُلْوةٌ خَضِرَةٌ" فإنَّ العربَ تسمّى الشَيءَ المُشْرِق خَضِرًا تشبيهًا لَهُ بالنبات الأخْضر ويُقالُ إنّما سُمّي الخَضِرُ خَضِرًا لحُسنِه وإشْراق وجْهه. ويقال: بل سُمّي خضِرًا لأنَّه كَانَ إذَا جلس في مكان اخْضَرَّ ما حَوْلَه. يَقُولُ إنّ الدنيا حسَنَةُ المَنْظَر مُونقَةٌ تُعْجِبُ الناظرين وتَحْلَى في أعْيُنهم فيَدْعوهم حُسْنُها إلى الاستكثار منها فإذ فعلوا ذَلِكَ تَضَرَّرُوا بِهِ كالماشِية إذَا استكثَرتْ من المرْعَى حَبِطَت ٢. وسَمِعْتُ الأزهَرِيّ في هذا الحديث يقولُ هما مثَلان.

أما قوله: "وَإنَّ ممّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ ما يقْتُل حبَطًا أو يُلُّم" فهو مثل ٣


١ أخرجه الحميدي في مسنده ٢/ ٣٢٥ والبخاري في عدة مواضع منها في الرقاق ٨/ ١١٣. وابن ماجه في الفتن ٢/ ١٣٢٣ والإمام أحمد في ٢/ ٧, ٢١ وغيرهم.
٢ حبطت: وجع بطنها من كلا تستولبه أو من كثرة الأكل.
٣ جمهرة الأمثال ١/ ١٦ ومجمع الأمثال ١/ ٨ والمستقصي ١/ ٤١٥ واللسان "حبط".

<<  <  ج: ص:  >  >>