يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه، فهؤلاء الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أعلام الحديث وحفاظ الأثر كل منهم يحض على تقويم اللسان وإعراب الكلام، ويذم اللحن ويهجن أهله، وعلى هذا مضى من لم نذكره منهم، حيث كانوا في كل عصر وزمان، وفي كل مصر ومكان إلا عوام الغُثْر الذين لا نظام لهم ولا اعتبار بمذاهبهم، فإن فساد كل صناعة من كثرة الأدعياء وقلة الصرحاء، وطلاب الحديث كثير وأصحابه قليل.
حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: أردت الخروج إلى البصرة فصرت إلى أحمد بن حنبل، وسألته الكتاب إلى مشايخها، فكلما فرغ من كتاب قرأته فإذا فيه: وهذا فتى ممن يطلب الحديث، ولم يكتب من أصحاب الحديث.
ذكر فصاحة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما يؤثر من حسن بيانه
إن الله جل وعز لما وضع رسوله موضع البلاغ من وحيه، ونصبه منصب البيان لدينه، اختار له من اللغات أعربها، ومن الألسن أفصحها وأبينها، ليباشر في لباسه مشاهد التبليغ وينبذ القول بأوكد البيان والتعريف، ثم أمده بجوامع الكلم التي جعلها ردءا لنبوته وعلما لرسالته؛ لينتظم في القليل منها علم الكثير، فيسهل على السامعين حفظه ولا يؤودهم حمله، ومن تتبع الجوامع من كلامه لم يعدم بيانها، وقد وصفت منها ضروبا، وكتبت لك من أملتها حروفا تدل على ما وراءها من نظائرها وأخواتها، فمنها في القضايا والأحكام قوله: (المؤمنون تَكافأُ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من