للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد سَقَط عَنْهُ فسمَّاه باسْم المرْعَى إذْ كَانَ سببًا لَهُ كقول الشاعر يَصِف غَيْثًا:

أَقْبَل في المُسْتَنِّ من رَبابِه ... أَسنِمهُ الآبالِ في سَحابِه ١

وقوله: ووقير قليل الرِّسْل كثير الرَّسل. قَالَ العُذري قوله: كثيرُ الرَّسَل أي شَدِيد التّفرّق في طَلَب المرعى.

قال أبو سُليمان: هذا أشْبَه من قول ابنِ قُتيبة إنّها كثيرةُ العَدَد قليلةُ اللَّبَن لأنّ الحال التّي ذكرها أشبَه بصفةِ الجَدْب وكيْف يَصِفُها بكثرةِ العَدَد وهو يَقُول في أوّل هذا الحديث ماتَ الوَدِيُّ وهَلَك الهَدِيُّ والهدي الإِبلُ وهي أَبْقَى عَلَى السَّنَة من الغنَم فإذا هَلَكَ الإبلُ كيف تسلَمُ الغَنمُ وتَنْمى حتى يَكْثُرَ عَدَدها وإنّما الوَجْهُ مَا قاله العُذْريُّ وهو أَنَّهُ وصف قِلّة المرْعى وعزّ الشجر وأنّ الغنم تَنْتَشِرُ في طلب الرِّعْي أَرسالًا مُتفرقين. وقال العُذْري: في روايته ولكم الفارض والفريض مكان الفَرِيش والفَرِيضُ والفارِضُ المُسِنُّ ومن هذا قوله: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} ٢ وفي هذه الرواية ما لم تضمروا الرماق وتأكلوا الرياق ٣. قَالَ العُذريّ: والرِّمَاقُ النِّفَاق.

قَالَ أبو سُليمان: وهذا هُوَ المحفُوظُ وهو مصْدَرُ رامَقني رماقًا وهو نظر الكاشِح الَّذِي يُضْمِرُ العداوةَ. فذلك النَّظرُ منه يَدُلّ عَلَى نغَل الضمير وسُوءِ الدِّخْلَةِ. يَقُولُ ما لم يفعَلُوا هذا ولم يخالفْ ظاهرُ أمركم باطنَه.

وفيه وجه آخر وهو أن يكون ذَلِكَ من قولك رمَّقت عَلَى فلان بمعنى


١ منال الطالب ١/ ٣٩ والفائق ٢/ ٢٧٩ والكامل للمبرد ٣/ ٩١.
٢ سورة البقرة: ٦٨.
٣ في النهاية "ربق" ٢/ ١٩٠: شبه مايلزم الأعناق من العهد بالرباق واستعار الأكل لنقض العهد فإن البهيمة إذا أكلت الربق خلصت من الشد.

<<  <  ج: ص:  >  >>