للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما ما أبيح من كذب الرجل لأهله فهو مثل أن يقول لها إني لأحبك وإنك لمن أعز أهلي ونحو هذا من كلام الاستمالة ومثل أن يمنيها ويعدها يطيب نفسها بذلك.

وَأَمَّا الْكَذِبُ فِي الإِصْلاحِ بَيْنَ الاثْنِينِ فَهُوَ أَنْ يُرَقِّقَ الْقَوْلَ لَهُمَا وَيُنَمِّي الْجَمِيلَ إِلَى كُلَّ وَاحَدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْهُ يَسْتَعْطِفُ بِهِ قُلُوبَهُمَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَّى خَيْرًا"

وأما الكذب في الحرب فقد تقدم بيانه وإنما أبيح ذلك لأنه من باب المكيدة في الحرب للإبقاء على النفس وقد أرخص اللَّه للمسلم إذا أكره على الكفر أن يعطى الفتنه بلسانه ويتكلم بها على التقية ذبا عَنْ مهجة نفسه ومحاماة على روحه.

وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهاهنا أمور متقاربة في ظاهر الاسم متباينة في المعنى والحكم منها الغدر والفتك والمكر والكيد والغيلة فالغدر محرم في الحرب وغيرها وهو أن يؤمن الرجل ثم يغدر به فيقتله ومثله الفتك وقد جاء قيد الإيمان الفتك والمكر محرم في كل حال والكيد مباح في الحرب.

وأما الغيلة فهو أن يخدع الرجل فيخرجه من المصر إلى الجبانة ٢ أو من العمارة إلى الخراب فإذا خلا معه وثب عليه فقتله


١ أخرجه البخاري في الإصلاح بين الناس "٣/ ٢٤٠" عن أم كلثوم بنت عقبة ومسلم في البر "٤/ ٢٠١١" وعبد الرزاق في مصنفه "١١/ ١٥٨" وأبوداود في الأدب "٤/ ٢٨٠" والترمذي في البر والصلة "٤/ ٣٣١" وأحمد في مسنده "٦/ ٤٠٣, ٤٠٤" وذكره الهيثمي في مجمعه "٨/ ٨٠ – ٨١" بهذا اللفظ عن شداد بن أوس وعزاه في الكبير والأوسط.
٢ القاموس "جبن" الجبانة: المقبرة والصحراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>