للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أبا الوليد مالي أَرَاكَ تُدِيمُ النَّظَرَ وَتُقِلَّ الْكَلامَ أَلِغَفْلَةٍ فَطَالَتْ أَمْ لِمَعْتُبَةٍ فَدَامَتْ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ١ أَمَّا قِلَّةُ كَلامِي مَعَكَ فَلِقِلَّتِهِ مَعَ غَيْرِكَ وَأَمَّا إِدْمَانُ ٢ النَّظَرِ إِلَيْكَ فَلِكَثْرَةِ مَا أَرَى مِنْ سُبُوغِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَلَوْ سَلَّطْتَ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِكَ لَعَلِمْتَ أَنَّ عَيْنَ مُحِبٍّ لا تَقْصُرُ عَنْكَ وَأَنَّ عَيْنَ مُبْغِضٍ لا تَنَالُكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمْهَيْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَمْهَيْتَ فَفَرِحَ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:

دَعَوْتُ عَرْكًا فَدَعَوْا عِرَاكًا ... جَنْدَلَتَانِ اصْطَكَّتَا اصْطِكَاكًا

قوله: أمهيت معناه بالغت في الثناء واستقصيته وأصله أن يحفر الرجل فينبط يُقَالُ للحافر إذا بلغ الماء قد أمهى وأماه وأموه وأنهر وأعين قَالَ ابن هرمة:

فإنك كالقريحة كاد تمهى ... شروب الماء ثم تعود ماجا ٣

[١٧٣] / والقريحة: أول ماء يخرج من البئر حين تحفر والمأج الماء الملح وهذا كقول سويد الحارثي يرثي رجلا

لعمري لقد نادى بأرفع صوته ... نعي سويد أن صاحبكم هوى

أجل صادقا والقائل الفاعل الَّذِي ... إذا قَالَ قولا أنبط الماء في الثرى

يريد أَنَّهُ بليغ القول إذا شرع في الكلام لم ينزع حتى يستقصيه ويبلغ الغاية فيه كحافر البئر الَّذِي لا ينزع عَنْ حفرها حتى يبلغ الماء وينبطه


١ س: "يا أبا عباس".
٢ ط: "وأما إدماني النطر إليك".
٣ اللسان التاج "مها" برواية "عام نمى" وفي شعر إبراهيم بن هرمة "٧٩" برواية: "حين تمحى".

<<  <  ج: ص:  >  >>