الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). وهم الصدر الأول، والنمط الأفضل، ورثة علم السنة والحافظون لها على من بعدهم من الأمة، ثم لم يزل أول منهم يلقيه إلى آخر، ويتلقاه خالف عن سالف، ليكون دين الله بهم محروسا عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فصلى الله عليه وعلى المصطفين من آله، ورضي الله عن الغر المنتخبين من أصحابه، وغفر للتابعين لهم بإحسان.
ثم إن الحديث لما ذهب أعلامه بانقراض القرون الثلاثة، واستأخر به الزمان، فتناقلته أيدي العجم، وكثرت الرواة وقل منهم الرعاة، وفشا اللحن، ومرنت عليه الألسن اللكن، رأى أولو البصائر والعقول، والذابون عن حريم الرسول أن من الوثيقة في أمر الدين والنصيحة لجماعة المسلمين، أن يعنوا بجمع الغريب من ألفاظه، وكشف المغدَف من قناعه، وتفسير المشكل من معانيه، وتقويم الأود من زيغ ناقليه، وأن يدونوه في كتب تبقى على الأبد، وتخلد على وجه المسند، لتكون لمن بعدهم قدوة وإماما، ومن الضلال عصمة وأمانا.
فكان أول من سبق إليه ودل من بعده عليه أبو عبيد القاسم بن سلام