للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتيت السوق, فإذا به قائماً يسأل, فوجَأْتُ في صدره فقلت: من أنت؟ قال: أنا عكَّاف بن رؤيبة، أَبَوْتُ عشرة وأَخَوْتُ عشرة، كنت مَقْنَعًا للهِمة ومفزعًا للملمة، فانْبَاقَ عليَّ الدهر بكلكله مُتَحَيِّفًا إخوتي واحداً فواحداً، حتى أَسَاف رِجَاليَه، وأَبَاد مالِيَه، فقَرِع مُرَاحي وفنيت أوضاحي، وَمَكَّكَتْنِي السنون، وحَدَجَتْنِي بالمذلة العيون، فرحم الله من أعان أخا جُهْدٍ وشَصَاص وحاجة ولَأْوَاء، نَعَشَكم ١ الله بإسباغ الرزق, واصطناع العُرْف".

قال: وإذا هو أبو فرعون الأعرابي.

قوله: انْبَاق علي الدهر بكلكله، أي وطئني بثقله, وأصابني بمكروهه، وأصله من البوق, يقال: باقَتْه بائِقَة، إذا نزلت به نازلة شديدة, ويقال: إن أصل البَوْق كثرة المطر.

وقوله: متحيفًا إخوتي: أي متتبعًا لهم، يأتيهم من نواحيهم, فيهلكهم، وأصله من الحافة وهي الناحية, يقال: حافة الوادي: أي ناحيته, وقد يكون التَّحَيُّفُ من الحيف أيضاً.

وقوله: قَرِع مُراحي: أي صفر وخلا من الغنم, والعرب تقول في دعائها: اللهم إنا نعوذ بك من قرع الفناء وصفر الإناء.

والأوضاح: جمع الوضح، وهو الدراهم الصحاح، والوضح أيضًا حُلِيٌّ من فضة, وجمع على الأوضاح.

وقوله: مَكَّكَتْنِي السنون، أي جهدتني، والأصل في ذلك أن يستقصي


١ ط: "أنعشكم الله".

<<  <  ج: ص:  >  >>