للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما أنكر هذا القَوْلَ: مِنْهُم لأنّه من تحيّةِ أَهلِ الجاهليّة كانوا يحيون بذلك ملوكهم ويثنون بِهِ عَلَى رؤسائِهم فَقَالَ لهم قُولوا بقَولِكُم أي بِقَول أهْل دينكم ومِلَّتِكُم يأمرهم بأن يُثْنوا عَلَيْهِ بالدِّين وأن يُخاطِبُوه بالنبيّ والرَسُول كما ذكره اللهُ في كتابه وعلى ما جَرتْ بِهِ عادةُ قومهِ وأَصحَابِه وقد يكون معناه كراهةَ التَّشْدِيق في الخُطَب يأمرهم بالاقتصاد في القول لئلا يذهب بهم المَقالُ إلى ما لا تَعْتَقِدُه قُلُوبُهُم. وهذا كما روي في حديث هند بن أَبِي هَالَة أنّه كَانَ لا يقبل الثناء إلا من مكافئ ١.يُرِيد واللهُ أعلم أنّه لا يقبَلُه إلا من مَقْتَصِدٍ في القَوْل يعرفُ حقيقةَ إِسْلامِه ولا يَدْخُل عنده في جُملَة المُنافقين الّذين يقولون بألسنَتِهم ما لَيْسَ في قُلوبهم وقد تأوّلَه ابن قُتيبة عَلَى غير هذا فَقَالَ معناه أَنَّه كَانَ إذا أَنعَم عَلَى رَجُلٍ نِعْمةً وكافأَة وأثنَى عَلَيْهِ قَبِل ثناءَه وإذا أثْنَى عَلَيْهِ الرَّجُلُ قَبْل أن يُنعِمَ النبي لم يقبل ثَناءَه.

قَالَ ابنُ الأنباري: وهذا غَلَطُ بيِّنٌ لأنَّه لَيْسَ في الأرض أحدٌ من جميع الناس ينفكُّ من إنعام رسول الله إذْ كَانَ اللهُ قد بَعَثَه إلى جميع الناس ورحِم بِهِ الخَلْق وانتاشهم وأنقذهم ببعثته ٢ إليهم من المهالك والمعاطب فنعمته سابقةٌ إلى كُلِّ الخَلْق لا يَخْرُج منها مكافئ ولا غير مكافئ وغير جائز أن يُقال مَن كافأ رَسُولَ الله بالثَّناء عَلَى نعمة سبقت منه قبل ثناءه ومن لا فلا لأن الثناء عَلَى رسول الله فرض عَلَى جميع الناس لا يَتِمُّ إسلامُهُم إلا بِهِ ولا يتحقّقُ دُخُولُهُم في الشريعة إلا من جهته.


١ أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ١/ ٢٤٤ والهيثمي في مجمع الزوائد ٨/ ٢٧٥ وغيرهما.
٢ ت: "يبعثه" والمثبت من س, م, ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>