للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه وجه آخر وهو أن تكون الرِّواية كقرِّ الزّجاجة ١ يدلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ رَوَى اللَيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَلائِكَةُ تُحَدَّثُ فِي الْعَنَانِ فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ فَتَقَرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ" ٢.

فَذِكرُه القارورة في هذه الرواية يدلّ عَلَى ثبوت الرواية بالزُّجاجة في حديث ابن شهاب. قَالَ أبو زَيْدٍ: يُقالُ: قَررتُ الكَلامَ في أُذُنِ الرّجُلِ أَقُرُّهُ قَرًّا. وقال ابنُ الأعرابيّ: القَرُّ تَرْدِيدُك الكلامَ في أُذُنِ الأَبْكم حتى يفْهَمه. والقَرُّ صَبُّ الماءِ دَفْقةً ٣ واحدة.

وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ وَاخْتِطَافَ الْجِنِّيِّ الْوَحْيَ قَالَ: "فَيَقْذِفُهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ فَمَا جاؤوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يُرَقُّونَ فِيهِ" ٤.

قوله: يُرَقُّونَ أي يتزيَّدُونَ. يقال: رَقَّى فُلانٌ عَلَى الباطل إذَا تقوّلَ: ما لم يَكُنْ وأصله من الرُقِيِّ وهو الصُّعُودُ والارْتِفاع. وحقيقَتُه أنّهم يرتفعون إلى الباطل ويدَّعونَ فوْقَ ما يسمعون.


١ في النهاية لابن الأثير "قر": ويروى "كقر الزجاجة": أي كصوتها إذا صب فيها الماء.
٢ أخرجه البخاري في ٤/ ١٥٢.
٣ م: "دفعة".
٤ أخرجه الترمذي في التفسير ٥/ ٣٦٢ بالطريق المذكور بلفظ: "ولكنهم يحرفون ويزيدون".

<<  <  ج: ص:  >  >>