للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووَقَفني عَلَى أشْعب الطماع فَقَالَ غَنّ ابنَ أخي مَا بلغَ من طَمعِك فَقَالَ: بَلغ مِن طَمعي أَنَّهُ ما زُفَّتْ بالمدينة امرأةٌ إلا كسَحْتُ ١ بَيْتي رجاءَ أَنْ يُهْدَى إليَّ.

يَقُول: أَخبِر ابن أخي مجاهرا بذلك غير مُساترٍ ومن هذا قَولُ ذِي الرُّمَّة:

أُحِبُّ المَكانَ القَفْرَ من أجْل أَنَّني ... بِهِ أتَغنَّى باسمها غَيْرَ مُعْجِم ٢

أي أجهر الصّوْتَ بذكرها ولا أكني عنها حِذارَ كاشِحٍ أو خوفًا من رقيب وعلى هذا تأوّل بعضُ العلماء قولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليْسَ منّا مَن لم يتغنَّ بالقرآن" ٣. أي يَجْهَرُ بِهِ وقد يُروى هذا التفسير مَرفوعًا أو موصولًا بحديث مرفوع. فكُلّ من رفع صوته بشيءٍ ووالَى بِهِ مرَّةً بعْدَ أُخرى فصَوْتُه عند العرب غِناء وأكثره فيما شاقَ من صَوْتٍ أَوْ شجَا من نَغْمَةٍ ولَحْنٍ ولذلك قِيلَ غَنَّت الحمامةُ وتغنى الطائرُ. قَالَ المجْنُونُ:

أَيا قَاتَلَ اللهُ الحَمَامَةَ غُدوةً ... عَلَى الغُصْنِ ماذا هَيَّجْت حينَ غَنَّت ٤

وقال آخرُ:

تغنى الطَائران ببيْن سَلْمَى ... عَلَى غُصتَين من غَرَبٍ وبَانِ

وأنشدني ابنُ داسةَ أنشدني الزِّئبقيّ أنشدني عبدُ الله بْن شَبيْب لأعرابيٍّ من عَبْس باع ناقةً لَهُ فسَمِع حنينها وهي في سقيْفةٍ فَقَالَ:


١ كسح البيت: كنسه "عن القاموس: كسح".
٢ الديوان /٦٢٨.
٣ أخرجه البخاري في التوحيد ٩/ ١٨٨ وأبو داود في ٢/ ٧٤ وأحمد في ١/ ١٧٢, ١٧٥, ١٧٩ وغيرهم.
٤ الديوان /٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>