بالبحر في كثرة العلم (لتسألن به البحر) وأراد بنحو قولهم ما يكون بالباء الداخلة على المنتزع منه إذ ما يكون مع الباء الداخلة على المنتزع قسم آخر في مقابلة هذا القسم، وإنما لم يجعل التجريد مع «من» قسمين كالباء؛ لأنه لم يجد فيه القسم الثاني. وجعل بعضهم «الباء» للتجريد، وبعضهم للسببية، وقد جعلناها بمعنى «في» فتذكر. وقال الرضى: إن نحو: لقيت من زيد أسدا، ونحو: لتسألن به البحر، على حذف مضاف. أي: لقيت من لقاء زيد ومن جهته أسدا ولتسألن بسؤاله البحر، والغرض: التشبيه بالأسد والبحر.
وقال الشارح المحقق: هذا التقدير ضعيف في مثل قولنا: لي من فلان صديق حميم؛ لفوات المبالغة في تقدير حصل لي من حصوله صديق هذا، يعني:
تشبيهه بالصديق يفوت المبالغة في الصداقات، وهو صديق.
قلت: يفوت المبالغة لو كان هذا الكلام في حق الصديق الحميم، أما لو كان في حق الصديق الذي ليس بحميم، أو في حميم ليس بصديق، أو في من ليس شيئا منهما، فالمبالغة متحققة، فيجوز أن لا يقع مثله إلا في من ليس متصفا بمدخول حرف التجريد، ويكون شبيها به.
(ومنها نحو قوله: ) في كون المنتزع مما دخله «باء» المعية (وشوهاء) أي:
ربّ شوهاء، وهي من الخيل: الطويلة الرائعة، أو المفرطة رحب الشدقين والمنخرين، وكل منهما صفة محمودة في الخيل. (تعدو بي) أي: تسرع. (إلى صارخ الوغى) أي: مستغيث في الوغى: وهو الحرب (بمستلئم) أي: لابس لامة وهي: الدرع، و «الباء» للملابسة أو المصاحبة. (مثل الفنيق) هو:
الفحل المكرم عند أهله (المرحّل) من رحل البعير: أشخصه عن مكانه وأرسله.
أي: تعدو بي ومعي من نفسي لابس درع لكمال استعدادي للحرب.
بالغ في استعداده للحرب حتى انتزع منه مستعدا آخر لابس درع، هذا هو المشهور.
ويمكن أن يكون:(بمستلئم) متعلقا بقوله: صارخ الوغى. أي: مستغيث في الحرب مستعد له، بحيث ينتزع منه مستعد آخر، وذلك أبلغ في وصفه بالشجاعة؛ لأنه جعله في غاية الكمال إلى أن بلغ بحيث يسرع إلى مستغيث