للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجة بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمط كما ذكره الشارح؛ لأنه لا يشمل التمثيل وما أورده المصنف من قول النابغة ظاهر في التمثيل، ووجه تحسينه للكلام أنه أخرج الكلام في المحاورات مخرجا لا يتوقع وأبرزه في صورة المقاصد العلمية، وبهذا اندفع أن إيراد الحجة لا يزيد على بيان أصل المراد فإن الدعوى والحجة كسائر المقاصد فلا يعقل موجب تحسين لمجرد إيرادهما (نحو لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) (١) واللازم وهو فساد السموات والأرض باطل، لعدم خروجهما عن النظام الذي هما عليه، فكذا الملزوم وهو تعدد الآلهة. قال الشارح: وفي التمثيل بالآية رد على الجاحظ حيث أنكر مجيء المذهب الكلامي في القرآن، وكأنه أراد بذلك ما يكون برهانا وهو القياس المؤلف من مقدمات يقينية وتعدد الآلهة ليس بقطعي الاستلزام للفساد، وإنما هو من المشهورات الصادقة، فالدليل ظني إقناعي. هذا كلامه، وفيه بحث من وجوه: أحدها:

أن تأويل كلامه بما أوله به لا ينفعه، لأنه وقع في القرآن وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (٢) فإنه في معنى أن الإعادة أهون من البدء وأسهل وكل ما هو أهون أدخل في الإمكان، ووقع أيضا حكاية: فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٣) وهو في قوة القمر آفل، وربي ليس بآفل، فالقمر ليس بربي.

وثانيها: أن الآية برهان يتضمنه بيان له مكان آخر، إن وفقنا الله وإياك الوصول إليه فيجعل لك الحق ثابتا في المقر.

وثالثها: أنه لو كانت الآية إقناعية؛ لكانت دليلا تاما على أن معرفة الله تعالى بغير يقين كافية، ولا يجب تحصيل اليقين في العقائد الإلهية، والمذهب خلافه، فالوجه في تأويله أن يقال: أنكر إقامة الدليل في القرآن على أحكامه لأن الإيمان قبول أحكامه من غير طلب دليل منه تعالى، فمعنى الآية عنده امتناع الفساد لامتناع الآلهة، ومعنى وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الإخبار بأن الإعادة أهون عليه تعالى لا غير، وكذا لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٤) نقل لكلام إبراهيم


(١) الأنبياء: ٢٢.
(٢) الروم: ٢٧.
(٣) الأنعام: ٧٦.
(٤) الأنعام: ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>