(وقوله) أي: قول النابغة من قصيدة يعتذر فيها إلى النعمان بن المنذر بن ماء السماء، عما بلغه أنه مدح إلى جفنة بالشام فتنكر عليه النعمان وكرهه:
[(حلفت فلم أترك لنفسك ريبة)] الريبة التهمة أي: حلفت أني على محبة وإخلاص بك كنت عليه، ولم أترك لنفسك أن تتهمني بأني غيرت إخلاصي بك، وأبدلتك بغيرك (وليس وراء الله للمرء مطلب) أي: هو أعظم المطالب فلا خيانة معه بالحلف الكاذب لمطلوب غيره، فبعد الحلف لا ينبغي أن تتهمني بما كنت تتهمني:
(لئن كنت قد بلّغت عنّي خيانة ... لمبلّغك الواشي أغشّ وأكذب)
فقد خان في خبره أني رجحت آل جفنة عليك [(ولكنّني كنت أمرأ إلى جانب)] أي: جانب مخصوص بي لا يشاركني غيري من الشعراء [(من الأرض فيه مستراد)] أي: محل طلب رزق [ومذهب][ملوك] بدل من مستراد، وجعله الشارح على تقدير ذلك الجانب ملوك (وإخوان) يعاملونني مع سلطنتهم معاملة الإخوان، ولا يتكبرون معي، أو يعطفون علىّ عطف الإخوان [(إذا ما مدحتهم أحكّم في أموالهم)] أي: يجعلونني حكما في أموالهم [(وأقرّب)] أي:
جعل مقربا بينهم رفيع المنزلة عندهم
[(كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم)] أي أحسنت إليهم [(فلم ترهم في مدحهم لك أذنبوا)] (١) الأولى جعل فلم ترهم مجهولا من الإراءة فيكون نفيا لظنه إياهم مذنبين، فإن نفي الظن فيما هو فيه أدخل من نفي العلم، والمشهور أن المقصود بالتمثيل قوله: كفعلك يعني لا تلمني ولا تعاتبني على مدح آل جفنة وقد أحسنوا إليّ، كما لا تلوم قوما مدحوك وقد أحسنت إليهم، وكما أن مدح أولئك لا يعد ذنبا كذلك مدحي لهم، ويمكن أن يكون قوله وليس وراء الله للمرء مطلب أيضا مثالا؛ لأنه في قوة أن الحلف بأعلى المطالب لا يترك الريبة أو في قوة الحلف
(١) الأبيات للنابغة يعتذر فيها إلى النعمان، وهي في ديوانه: (٧٢)، والإيضاح: (٣٢١)، والمصباح: (٣٠٧)، وملوك: يقصد بهم غساسنة الشام، ويشير به إلى حسن معاملتهم، وعدم ترفعهم عليه شأن الملوك، وفي أكثر النسخ: (أراك اصضعتهم).