ويستتبع مدحه بكمال الشجاعة حتى ظهرت على الحيوانات العجم، فوثقوا بوجود القتلى في محاربته مع الأعداء، وفيه ضعف؛ لأن المجزوم به للذئاب وجود القتلى للمحاربة لا وجود القتلى من أعدائه، وليس في الشعر إشارة إليه؛ نعم كما قال:
يستتبع مدحه بأنه لا يقتل لغلبة الغضب عليه، وقوته الغضبية ليست متصفة برذيلة الإفراط، كما قال الشارح مدحه بكمال الشجاعة حتى أمن من شر الأعداء فلا يحتاج إلى قتلهم واستئصالهم.
(والثانية) أي الغير الثابتة التي أريد إثباتها (إما ممكنة كقوله): أي قول مسلم بن الوليد:
[(يا واشيا)] من وشى به إلى السلطان سعى ونمّ (حسنت فينا إساءته) أي ما قصدت به الإساءة أو ما كانت إساءة في حد ذاتها لكن حسنت لما ترتب عليه (نجّى حذارك) أي محاذرتك أي حذارى منك كما يدل عليه قول المصنف فيما بعد: حذاره منه، وقال الشارح: أي حذارى إياك وهو يدل على تعديته بنفسه (إنساني) الإضافة استغراقية أي كلا من إنسان عيني (من الغرق)(١) الجملة منادى لها فعلم أن حسن التعليل يتحقق بذكر ما يصلح علة، سواء كان ما يشعر بالتعليل أولا.
(فإن استحسان إساءة الواشي ممكن) الظاهر فإن حسن إساءة الواشي ممكن؛ لأن الظاهر أن العلة علة حسن لا علة الاستحسان المذكور ضمنا، وكأنه حمل قوله: حسنت فينا على أنه حسنت في نظرنا، والأظهر أن فينا متعلق بالإساءة (لكن لما خالف الناس فيه) حيث لا يستحسنونها (عقبه بأن حذاره منه نجى إنسانه من الغرق في الدموع) حيث ترك البكاء خوفا منه فإن قلت المناسب أن يقول نجي نفسي من الغرق فإنه الدال على كثرة الدمع والمبالغة فيها دون ما ذكره فإن إنسان العين يفرق بدمع قليل: قلت بل المبالغة فيما ذكره لأن إنسان العين هو الساكن في الماء، الماهر في علم ما، فإذا كان يغرق لكثرة الدمع ففرق نفسه بالطريق الأولى، ولا يخفى ما في هذا البيت من حسن تضمينه كمال الكآبة والحزن الموجب لكثرة الدمع في الغاية.
(١) البيت في ديوانه: (٣٢٨)، والإيضاح: (٣٢٤)، والطراز: (٣/ ١٤٠) والمصباح: (٢٤١).