وإثبات ضرب آخر مبتدع منه معقول، فلا ينافي، أو ضرب آخر بحسب الظاهر راجع إلى الأول بحسب النظر الثاني للناظر، فإنه يئول إليه معنى. فضبط المصنف هذا الضرب بأن تأتي بالاستثناء مفرغا، وهو قاصر لأن من المرغ ما يصدق عليه أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح، بتقدير دخولها فيها قائمة الشارح المحقق بأن ضم إليه، ويكون العامل مما فيه معنى الذم، والمستثنى مما فيه معنى المدح، وتقدير، وعليه أن الضرب الآخر لا ينحصر في المفرغ، بل يشمل مثل قولنا: وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا (١) فإنه لم يستثن فيه في الظاهر صفة مدح من صفة ذم منفية، بل من أعم منها، نعم ماله إلى الاستثناء من صفة ذم منفية فإنه في قوة ليس لنا عمل معيب عندكم إلا أن آمنا، فالصواب أن يعرض عن إيضاح المصنف، وبين قوله نحو وَما تَنْقِمُ أي ما تعيب مِنَّا إِلَّا أصل المناقب أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا يقال نقم منه وانتقم إذا عابه وكرهه، وبه فسر الآية بأن المراد بنحوه أن يستثنى صفة مدح من معمول ما فيه معنى الذم، بتقدير دخولها فيه من حيث أنه متعلق ذلك العامل، هذا وقد جاء نقم منه بمعنى عاقبه ليمكن حمل الآية عليه، أي ما تعاقبنا إلا لأن آمنا بآيات ربنا، وحينئذ مستثنى متصل حقيقة، وليس مما نحن فيه، فإن قلت: على التفسير المشهور أيضا هو مستثنى متصل؛ لأنه استثنى صفة مدح من معمول عيب المخاطب، فيجوز أن يكون الإيمان معيبا عنده؟ قلت الإيمان بآيات رب الكل مما لا يمكن أن يعيبه قابل للخطاب، ثم يقول لنا ضرب آخر، كالضرب الأول، وهو أن يثبت صفة مدح عام صفة ذم بتقدير دخولها فيها، نحو: لفلان جميع المحاسن إلا كفران النعمة، فالصواب في تفسير القسم الأول أن يستثنى من صفة ذم منفية، صفة مدح بتقدير دخولها فيها، أو من صفة مدح منفية صفة ذم بتقدير دخولها فيها.
(والاستدراك) بلفظ لكن (في هذا الباب) صرح بقوله في هذا الباب، ولم يقل فيه لئلا يتوهم عوده إلى الضرب الآخر (كالاستثناء) فالمراد بالاستثناء في التعريفين ما يعم الاستدراك بالحمل على الاستثناء حقيقة أو حكما وإلا يفسد