للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك ليس الأكثر ولا الجميع مخالفا، بل المخالف والموافق متساويان، إذ كلمة فيها ككلمة فهو في مثال الترصيع، وقد انكشف لك الجواب عنه بما وعدنا لك نفعه، فاعرف موضع النفع، فهو مثال لما خالف فيه جميع ما في إحدى القرينتين ما يقابله من الأخرى، نعم هناك قسم آخر لم يتعرضوه، وهو أن يكون المخالف والموافق متساويين، وثالثها بل رابعها المختلفان في الوزن فقط، نحو وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (١) وخامسها المختلفان في التقفية فقط نحو حصل الناطق أي المال الظاهر، والصامت أي المال المخفي، وهلك الحاسد والشامت، قال ابن الأثير: من شرائط حسن الاستعارة أن يكون كل واحد من الفقرتين دالة على معنى، وإلا لكان تطويلا كقول الصابئ: الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بلحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدّهور بكرورها، والصّلاة على من لا يرى للكفر أثر إلا طمسه ومحاه، ولا رسما إلا أزاله وعفّاه، إذ لا فرق بين عدم إخلاق مرور العصور وعدم إهرام كرور الدهور، ولا بين محو الأثر وعفو الرسم، هذا في الملازمة المستفادة من قوله:

وإلا لكان تطويلا، بحيث يجوز أن يكون داع إلى التكرار، فيكون إطنابا، وكأنه لذلك لم يلتفت إليه المصنف.

(قيل أحسن السجع ما تساوت قرائنه) في كون السجع المطرف أو المتوازي المتساوي القرائن أحسن من الترصيع غير المتساوي القرائن نظر، وكأنه أريد أن أحسن السجع باعتبار تساوي القرائن وتفاوتها ما تساوت قرائنه.

(نحو فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) أي لا شوك له أو مثنى أغصانه من كثرة حمله وَطَلْحٍ: هو شجر موز مَنْضُودٍ نضد، حمله من أسفله إلى أعلاه وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٢) منبسط لا يتقلص، ولا يتفاوت، وبعد فيه نظر، لأن من موجبات حسن السجع قصر قرائنه، حتى قال ابن الأثير: وأحسن السجع ما كان قصيرا، وهو ما يكون من لفظين إلى عشرة، وما زاد فطويل وغايته من خمسة عشر لفظا، ومن الطويل ما يقرب من القصير بأن يكون تأليفه من إحدى عشرة إلى اثنتى عشر، وأحسن القصر ما كان على لفظين، فلا يصح ترجيح


(١) المرسلات: ١، ٢.
(٢) الواقعة: ٢٨ - ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>