للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يعدل إليه، كذا في الصراخ والشعر حث على المداراة مع الإخوان، والتجنب عن الغلظة معهم، وإلا لم يبق صديق ولا ظهير، وفيه تلميح إلى قوله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (١) مع زيادة مبالغة.

حكي أن عبد الله دخل على معاوية فأنشد هذين البيتين فقال له معاوية:

لقد شعرت- بضم العين- بعدي يا أبا بكر. يعني: أخذت الشعر بعدي، ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معي فأنشد قصيدته التي أولها:

لعمرك لا أدري وإنّي لأوجل ... على أيّنا تعدو المنيّة أوّل (٢)

حتى أتمها وفيها هذان البيتان فأقبل معاوية على عبد الله بن الزبير وقال له:

ألم تخبرني أنهما لك فقال اللفظ له والمعنى لي، فهو أخي من الرضاعة، وأنا بشعره، يعني أنا أحق منه بشعره، والمقصود كمال الاتحاد.

(وفي معناه) أي معنى ما لم يغير فيه النظم في كونه مذموما وأن ليس منه بل مما أخذ فيه بعض اللفظ فيكون إعارة ومسخا، أو أخذ فيه المعنى وحده فيكون إلماما وسلخا، أو في معناه في كونه من النسخ والانتحال، وملحق به أو داخل فيه، ومعنى قولنا: في التعريف إما مع اللفظ كله (أن تبدل بالكلمات كلها أو بعضها ما يراد فها) لكن الظاهر أن كونه مذموما إذا لم يفسد التبديل للكلام حسن سجع أو موازنة، أو زيادة فصاحة أو سلاسة للشعر، فإن أفاد فينبغي أن يترجح على الأصل، ويزيد عليه قبولا، قال الشارح: كما يقال في قول الحطيئة

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسي

ذر المآثر لا تذهب لمطلبها ... واحبس فإنّك أنت الآكل اللابس (٣)

أقول: يقال: رجل طاعم طعم حسن الحال في المطعم، ورجل كاس ذو كساء، فيكون المعنى أنت دنئ الهمة نهاية همتك الطعام والكساء، ولا بد لطلب المكارم من همة عالية، وكان الهذلي جعل الطعام اسم فاعل من طعمه كسمعه،


(١) آل عمران: ١٥٩.
(٢) البيت أورده القزويني في الإيضاح: (٣٤٩). وجملة إن ومعموليها اعتراضية: تعدو. تعتدي. ويروي تغدو بغين معجمة، ومعناها: تروح.
(٣) البيتان للحطيئة في ديوانه، ودلائل الإعجاز: (٤٧١)، (٤٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>