واعلم أن قوله في الأمثلة السابقة: حفت بالمكاره، من قبيل تغيير الظاهر المقتبس، فإنه وضع فيه ضمير الجنة موضعها في المقتبس.
(وأما التضمين فهو أن يضمن الشعر) يقول: ضمنت الإناء الماء أي جعلت الماء فيه، والتضمين في العرف بمعنيين: أحدهما: تضمين الشعر بيتا، وثانيهما:
جعل البيت بحيث لا يتم معناه إلا بما يليه، ويخص الأول باسم تضمين الشعر، والثاني باسم تضمين البيت كذا يستفاد من القاموس، لكن المصنف سيصرح بتضمين ما دون البيت وما فوقه، وتضمين المصراع وما دونه، فلذا قال:(شيئا من شعر الغير) يعني بيتا كان أو فوقه أو دونه من المصراع وما دونه، والشارح المحقق جوز تضمين الشاعر شعره شيئا من شعر آخر له، حتى قال: فالأولى أن يقول شيئا من شعر آخر، لكنه لم يلتفت إليه لندرته.
هذا ويتجه على التعريف أنه إن أريد بقوله: من شعر الغير البيان حتى يكون المعنى شيئا هو شعر الغير لا يتناول تضمين ما دون المصراع، وإن أريد معنى البعض لا يتناول تضمين تمام شعر الغير.
(مع التنبيه عليه) أي على شعر الغير، وفيه مسامحة نبه عليه الشارح، حيث فسر الضمير بأنه شعر الغير، ولك أن تجعله للتضمين المستفاد من تضمين أي مع التنبيه على التضمين (إن لم يكن) ذلك الشعر (مشهورا) عند البلغاء، وإن اشتهر فيتم التضمين بدون التنبيه، فقوله: إن لم يكن مشهورا تقييد لوجوب التنبيه لا أصل التنبيه، كما يتبادر، ولولا التنبيه إلى الشهرة لكان سرقة لا تضمينا، هكذا حقق الشارح.
والظاهر: أنه لو كان الخطاب بالشعر لم يعرف أن المضمن شعر الغير يتم التضمين بدون التنبيه والشهرة، ولا يخفى أن قيد التنبيه أو الشهرة ليتميز عن السرقة والتوارد لا لمجرد التمييز عن السرقة، أما تضمين البيت مع التنبيه على أنه من شعر الغير، فكقول عبد القاهر بن الطاهر التميمي:
إذا ضاق صدري وخفت العدى ... تمثّلت بيتا بحالي يليق
فو الله أبلغ ما أرتجي ... وتالله أدفع ما لا أطيق (١)
(١) انظر البيتين في الإيضاح: (٢٦٢). ضاق صدري: كثرت همومي، والهموم بنات الصدر تمثلت .... -