للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسندا إلى ضمير علم البلاغة فيكون في تقدير: إذ يكشف علم البلاغة عن وجوه الإعجاز أستارها لأنه وإن يغنيك عن تصحيح الحصر المنتقض بالكشف بالسليقة والكشف بعلم الكلام فإنه أثبت فيه إعجازه بالبلاغة؛ لكنه يمنع عنه وجوب نصب الأستار حينئذ لتوقف مصلحة السجع على رفعه، وحينئذ تصحيح الحصر إما بالنسبة إلى السليقة فقد عرفت، وإما بالنسبة إلى الكلام؛ فأولا: بأن المراد الحصر بالنسبة إلى غيره من العلوم العربية، إذ حققنا أن الدعوى كونه أجلها لا أجل جميع العلوم.

وثانيا: بأن كشف الكلام لا يتم بدون هذا العلم؛ لأن الإعجاز إنما يعرف بالذوق المكتسب منه، وليس مدركه إلا الذوق بكونه معجزا، ولا يعرف بالتحقيق إلا بهذا العلم (عن وجوه الإعجاز) أي عن أسباب الإعجاز، وهو ما يراعيه المتكلم في كلامه والمزايا والخصوصيات، فبمعرفة هذه الوجوه ورعايتها يحصل ذوق يدرك به أن القرآن يخرج عن أن يتمكن البشر من الإتيان بمثله، فمعرفة الوجوه تحصل بالكشف عنها، ومعرفة الإعجاز لا يمكن بالكشف عنه، بل بالذوق المكتسب من كثرة استعمال الوجوه المكشوفة بهذا العلم، فلذا قال:

يكشف عن وجوه الإعجاز، ولم يقل: عن الإعجاز، فلا يرد أنه ينافي ما ذكره المفتاح أنه لا يمكن كشف القناع عن الإعجاز، بل مدركه الذوق ليس إلا، وما ذكرنا مما يصرح به صاحب المفتاح حيث يقول: اعلم أن شأن الإعجاز أمر غريب يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة، ومدرك الإعجاز عندي هو الذوق ليس إلا، وطريق اكتساب الذوق طول خدمة هذين العلمين (١)، نعم للبلاغة وجوه ملثمة (٢) ربما يتيسر إماطة اللثام عنها؛ ليتجلى عليك، وأما نفس وجه الإعجاز فلا، هذا والشارح لما لم يفرق بين الكشف عن وجوه الإعجاز والكشف عنه حمل الكشف على المعرفة دون الوصف، ودفع الإشكال بأن المراد بكشف معرفة الإعجاز وبعدم إمكان كشف المفتاح عن الإعجاز عدم إمكان وصفه ومنهم من قال: معنى قول المصنف: إنه يكشف بهذا


(١) يعني علمي المعاني والبيان، وما يتبعهما من علم البديع.
(٢) في الأصل (تلثمة) والصواب: ملثمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>