للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلم عن وجوه الإعجاز لو أحيط بهذا العلم، وحكم المفتاح بامتناع الكشف لامتناع الإحاطة، ولا ينافي وليس بشيء؛ لأنه لا يمكن وصف الإعجاز وبيانه للغير؛ لأنه ما لا يمكن معرفته إلا بالذوق، فلو كان من يوصف له صاحب هذا الذوق فهو مدركه بالذوق لا بالوصف، وإلا فلا يدرك بالوصف. على أن المقصود بيان جلالة العلم بجلالة غايته، فإذا لم تحصل تلك الغاية لأحد فأية فائدة في بيان تلك الغاية له؟ ثم هذا دليل على قوله أجل العلوم قدرا، وجهات شرف العلوم ثلاثة لا تعدوها في اعتبارهم شرف الموضوع، وشرف المسائل لكونها يقينية، وشرف الغاية، فلا شرف للعلوم الظنية باعتبار المسائل. إذا عرفت هذا فملخص الاستدلال أن علم البلاغة يعرف به الإعجاز، فهو أجل موضوعات عن سائر العلوم العربية، وأجل غاية.

أما الأول، فلأنه باحث عن اللفظ العربي البليغ من حيث يتعلق به الإعجاز، واللفظ العربي البليغ من هذه الحيثية أشرف من اللفظ العربي العاري عن هذه الحيثية، وهو موضوع سائر العلوم العربية.

وأما الثاني، فلأن غايته التصديق بجميع ما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما قيل أو التصديق بأن القرآن كلام الله، وهو من أجلّ غايات سائر العلوم العربية، وبهذا ظهر ضعف ما قال الشارح المحقق من أن معلوم علم البلاغة أن القرآن معجزة، وهذه وسيلة إلى تصديق النبي- عليه السّلام- في جميع ما جاء به ليقتفي بأثره فيفاز بالسعادة الدنيوية والأخروية، فيكون من أجلّ العلوم لكون معلومه من أجلّ المعلومات، وغايته من أشراف الغايات؛ لأن معرفة أن القرآن معجز غاية هذا العلم، وليس منه، ولا شرف لهذا العلم باعتبار مسائله لأنه ظني.

(في نظم القرآن أستارها) نظم القرآن تأليف كلماته مترتبة المعاني متناسقة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل (١)، بخلاف نظم الحروف فإنه تواليها من غير اعتبار معنى يقتضيه، حتى لو قيل مكان ضرب ربض، لم يخل بنظم الحروف، وليس الإعجاز بمجرد الألفاظ وإلا لما كان للطائف العلمين مدخل فيه؛


(١) لو قال: (حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية) لكان أولى، فإن العقل قاصر عن إدراك جميع وجوه الإعجاز القرآني.

<<  <  ج: ص:  >  >>