بقي أنه لو ساعدنا في أنه لا يسمى مطابقة مقتضيات الأحوال في المركبات الناقصة والمفردات بلاغة؛ لكن لا ينكر فضلها كالبلاغة، فلا وجه لإهمالها وعدم ضبطها. ومن البين أنه يجري في المركبات الناقصة بل المفردات أيضا؛ فإن في تعداد جماعة بعبدي تعظيم المضاف إليه، وبعبد السلطان تعظيم المضاف، وبأبي لهب الإشعار بالجهنمية، إلى غير ذلك، وإنما قسم الفصاحة أولا، ثم عرف كلا لأن قصده كان التمييز بين فصاحة موصوفها المفرد، وفصاحة موصوفها الكلام، وفصاحة موصوفها المتكلم؛ بتعريفات صالحة خلا عنها كلام القوم، بتأمله من موارد الاستعمال، وتحصيل قدر مشترك بين الإفراد يظن به كونه مما وضع له اللفظ كما هو مسلك علماء اللغة ومدونيها، على ما يستفاد من الإيضاح، وإنما لم يعرف الفصاحة المطلقة لأنه لم يجد مفهوما مشتركا بين فصاحة المتكلم وفصاحة اللفظ، ويرجح كونه مشتركا عنده، ولا فصاحة اللفظ مطلقا لأنه لم يتخلص له مفهوم للفصاحة جامع لأفرادها القائمة باللفظ، فأعرض عن تحصيل مفهوم لها إما لظن الاشتراك به، أو لإبهام الحال. فقسم الفصاحة إلى الثلاثة تقسيم اللفظ المشترك إما باستعمالها في المفهومات الثلاثة، أو بإرادة ما يطلق عليه الفصاحة، فإن قلت: قد عرف صاحب المفتاح فصاحة اللفظ بكون اللفظ جاريا على القوانين المستنبطة من استقراء كلامهم كثير الاستعمال على ألسنة العرب الموثوق بعربيتهم! ! قلت: قد زيف المصنف هذا التعريف إجمالا بما قال في الإيضاح من أن للناس في تفسير الفصاحة والبلاغة أقوالا مختلفة لم أجد فيما بلغني منها ما يصلح لتعريفهما به، ولا إلى ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام وكون الموصوف بهما المتكلم. فإن قلت: هل لهذا الإجمال عندك تفصيل؟
أو أنت معرض عن هذا التزييف، جازم بصحته كما هو الظاهر من كلام الشارح المحقق؟ قلت: كثرة الاستعمال لا تشترط في فصاحة الخالص عن التعقيد المعنوي؛ لأنه لو استعمل لفظ في لازم ظاهر الانتقال لعد خاليا عن التعقيد المعنوي، ولم يطلب له كثرة الاستعمال، لا يقال يكفي كون حقيقته كثير الاستعمال لأنا نقول فلا يخل بالفصاحة إرادة ما لا ينتقل إليه بلا خلل، وأيضا كون اللفظ جاريا على القوانين المستنبطة من استقراء كلامهم تطويل يغني عنه بقية