والاعتبار المناسب إنما يعتبر أولا في المعنى، ثم في اللفظ، فإن المعنى تقدم في العقل مثلا لداع له، ثم يتلفظ باللفظ على طبقه، ولا يرد ما اعترض به السيد السند في شرح المفتاح من أن هذا لا يصح في طي المسند إليه وإثباته، فإن الإثبات والطي من عوارض اللفظ، فالحق أن يعتبر أولا في المعنى ما يقتضي الخصوصية، لأن معنى المسند إليه يحكم عليه العقل من غير قصد إحضاره بالذكر لتعينه لهذا الحكم، فيطويه في مقام قصد إفادة المعاني بذكر الألفاظ، ويأتي اللفظ على طبقه أو يحكم عليه بعد قصد إحضاره، كذلك لعدم تعينه فيثبته فيما بين المعاني المقصودة بالإفادة بذكر لفظه، ويأتي اللفظ على طبقه فتأمل.
والشيخ يسمي إيراد اللفظ على طبق ما اعتبر من المعاني الزائدة نظما، وكأنه بالغ في أن الفضيلة في تطبيق الكلام على مقتضى الحال، وإلا فالنظم عند المحققين ترتيب الألفاظ متناسبة المعاني متناسقة الدلالات، أو الألفاظ المرتبة، كذلك على ما ذكره أن الشارح المحقق في التلويح وفسره به في الديباجة فلا بد لتحققه من رعاية علم البيان أيضا.
(وكثيرا ما) أي حينا كثيرا فهو منصوب على الظرفية، وما لتأكيد معنى الكثرة، والعامل ما يليه على ما ذكره صاحب الكشاف في قوله تعالى: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (١)(يسمى ذلك) أي مطابقة الكلام الفصيح لاعتبار مناسب، وتذكير ذلك لتأويل المشار إليه بالمفهوم (فصاحة أيضا) كما يسمى بلاغة أو كما يسمى المفهومات السابقة فصاحة، وكأنه أطلق اسم الفصاحة على البلاغة لأن ما لا بلاغة له بمنزلة الأصوات الحيوانية عندهم، فكيف يوصف بالفصاحة.
واعلم أن قوله فالبلاغة صفة ... إلخ متفرع على قوله: وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول ... إلخ، يعني لما كان ارتفاع شأن الكلام بمطابقته للاعتبار المناسب، ومعلوم أن ارتفاعه بالبلاغة علم أن البلاغة صفة للفظ بالقياس إلى إفادته المعاني والأعراض بالتركيب، والمقصود منه على ما صرح به في الإيضاح جمع كلامين متنافيين وقعا من الشيخ، حيث قال تارات: إن الفصاحة راجعة إلى المعنى وإلى ما يدل عليه اللفظ دون الألفاظ، وتارات إن الفضيلة للفظ