سوى البلاغة، لأنه يصير لغوا، وفي قوله: يتبعها تنبيهات: أحدها: أن الوجوه البديعية لا تحسن بدون البلاغة، وثانيها: أنه يجب تأخير علم البديع عن علم البلاغة، ثالثها: أن حسنا تورثه عرضي غير داخل في حد البلاغة، ورابعها: أن هذه الوجوه إنما تكون من البديع، إذا لم يقتض الحال، إذ لو اقتضاها الحال لم تكن تابعة للبلاغة وإنما جعلها تابعة لبلاغة الكلام دون المتكلم لاختصاص ما وصفت به الوجوه بها أعني قوله:(يورث الكلام حسنا) ولم يتعرض بحالة تحصل للمتكلم بالقياس إليها؛ لأنه لم يلتفت إليها، ولم يسم المتكلم باعتبارها باسم، ولم يوصف بصفة، وإنما تعرض لها في أثناء تحقيق بلاغة الكلام تتميما لبيانها وتكميلا لتمييز مقتضيات الأحوال عن غيرها، وقيل تمهيدا لبيان الحاجة إلى علم البديع، واختار لفظ يورث على يفيد للتنبيه على أن ليس النظر الأعلى حسن في الكلام، ولا نظر على هذه الوجوه كأنها فنيت وبقي الحسن، بخلاف وجوه البلاغة؛ فإن النظر إليها وهي الداعية إلى التكلم، وليس النظر إلى حسن الكلام وإنما هو من توابعها.
(و) البلاغة (في المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ) أي لا يعجز بها عن تأليف كلام بليغ، فالنكرة في سياق نفي عمت، والمراد كلام بليغ ورد معناه على المتكلم، وأراد بيانه (فعلم) تفريع على تعريفات الفصاحة والبلاغة أي علم بالقوة العربية من الفعل، إذ بالتأمل في التعريفات يعلم ذلك، ولو قال:
فكل بليغ فصيح ولا عكس لاستغنى عن هذا التكلف، والظاهر أن المراد تفريع المعلوم إلا أنه فرع العلم مبالغة في ظهور تفريع المعلوم، والمقصود بيان النسبة بعد التعريف تتميما للتعريف، كما هو العادة، كأنه قال: فالفصيح أعم مطلقا من البليغ، ولو قال كذلك لكان أخصر وأوضح فيما هو مقصوده، وفيه تعريض للسكاكي؛ حيث لم يشترط في البلاغة إلا الخلوص عن التعقيد المعنوي، فانحصر مرجع البلاغة عنده في علم البلاغة، وما ذكره المصنف ليس اصطلاحا منه، بل مما ينقل عن ابن الأثير: أنه ذكره في المثل السائر، لكن ربما يرجح اعتبار السكاكي بأن البلاغة مما يتميز به البليغ عن غيره، ولا يكون الأمر المشترك معتبرا في المميز.