الإحاطة بعلم البلاغة لم يكن بليغا؛ لأن البلاغة ملكة الاقتدار على تأليف أي كلام بليغ خطر بالبال معناه، فإذا خطر بباله معنى لم يخطر بما تعلق به من علم البلاغة لم يقدر على تأليف كلام بليغ له، ولأنه إذا أحاط بعلم البلاغة ولم يقدر على تأليف كلام بليغ لم يكن بليغا، ولقد تركنا نبذا من الكلام ذكره الشارح المحقق في هذا المقام لما لم يشاهد فيه إلا الإطالة والإسآم.
(وأسفل) جعله طرف البلاغة إشارة إلى أنه بليغ، وقال في الإيضاح (١):
منه يبتدي لمزيد توضيح لذلك دفعا لما أوهمه كلام نهاية الإيجاز أن هذه المرتبة ليست من البلاغة في شيء وإن كان الظاهر أن قصده المبالغة في دناءتها وعدم الاعتداد بها (وهو ما إذا غير عنه إلى ما دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات) يعني ما يستلزم تغييره الالتحاق بأصوات الحيوانات مما قيل إنه يصدق على غير الأسفل؛ لأنه إذا غير إلى ما دونه التحق؛ لأن ما دون الأسفل ما دونه ليس بشيء، على أن دون لما هو أحط قليلا، وتحقيق الأسفل هو أنه ما ليس فيه مقتضى الحال متعددا، ولم يعرفه به مع أنه أوضح وأخصر لينبه على أن ما دونه ملتحق بأصوات الحيوانات.
قال المصنف: التحق وإن كان صحيح الإعراب ووافقه الشارح، وفيه أن غير صحيح الإعراب ليس أولى بالالتحاق، لجواز أن يكون صحيح الإعراب ضعيف التأليف، معقدا مع عدم فصاحة الكلمات، فالمناسب أن يقول: وإن كان فصيحا، فإن قلت: كيف يلتحق ما يشمل على الدقائق البيانية بأصوات الحيوانات؟ قلت: اعتبار الوضوح والخفاء في الدلالة بالنسبة إلى المعاني المجازية، وتلك المعاني أزيد من الدلالات الوضيعة، ومما يتعلق بعلم المعاني، فرعاية البيان لا ينفك عن رعاية المعاني.
(وبينهما مراتب كثيرة) عطف على طرفان، أي لها مراتب كثيرة حال كونها بينهما، أو الجملة تامة معطوفة على قوله لها طرفان (ويتبعها) أي البلاغة في الكلام (وجوه أخر) احتراز عن المطابقة، والفصاحتين، فإنها وجوه يتبعها البلاغة، ولا يصح جعله احترازا عن البلاغة، بأن يكون المعنى: ويتبع البلاغة وجوه أخر