للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم بأنه النظام، وقد سلك هذا المسلك المفتاح حيث قال: وعند بعض؛ إلا أنه عدل إلى أخصر طريق في ذلك، وأشار إلى رجحان مذهب الجاحظ، بذكر القائل، ووجه كمال سخافة هذا المذهب ما أشار إليه السكاكي من أن تصديق اليهودي إذا قال: الإسلام حق، وتكذيبه إذا قال: الإسلام باطل، بإجماع المسلمين ينجيان بالقطع على هذا المذهب، واستئصاله، ومع ذلك قدمه على مذهب الجاحظ (١) لكمال اتصاله بالمذهب الأول، حيث اجتمعا في انحصار الخبر في الصادق والكاذب فقال عقيب بيان الحق: (وقيل: مطابقته لاعتقاد المخبر ولو خطأ) وجرد بيانه عن حشو في عبارة المفتاح حيث قال: طباق الحكم لاعتقاد المخبر أو ظنه، فإن قوله أو ظنه حشو، إذ لا بد من حمل الاعتقاد في هذا التعريف على معناه الغير (٢) المشهور، وهو التصديق الشامل للظن والعلم وغيرهما؛ إذ لو حمل على المشهور وهو الجزم القابل للتشكيك لخرج مطابقة الخبر لعلم المخبر عن حد الصدق، ولدخل في حد الكذب، وعدل عن قوله سواء كان خطأ أو صوابا إلى قوله ولو خطأ؛ لأنه أخصر وإلى الصواب أقرب؛ لأن مطابقة الاعتقاد الصواب أحق بالصدق من مطابقة الاعتقاد الخطأ، كما تقيده (لو) الوصلية، فالتسوية لا تخلو عن شوب، وفيه أن سوى في الإيضاح؛ لكن الراجح ما في المتن، وقوله: ولو خطأ للإشعار بالفرق بينه وبين ما هو الحق، فإنه يفارق الأول في هذا الفرق، وأشار إلى تعريف الكذب بقوله: (وعدمها) أي عدم مطابقته للاعتقاد ولو خطأ، فالكذب بمخالفة الاعتقاد الخطأ، مادة افتراق الكذب على ما هو الحق، لكن لا تقتصر مادة افتراق الكذب عليه؛ بل منها الخبر الموهوم والمشكوك، فإنهما لا يطابقان اعتقاد المخبر لانتفائه، وليس لك أن تقول: المراد عدم مطابقة الاعتقاد مع وجوده، ولا اعتقاد له في المشكوك، لأنه ينافي ما هو مذهبه من انحصار الخبر في الصادق والكاذب، ولا أن تقول: الخبر المشكوك ليس بخبر، لأنه لا تصديق له بمدلوله، لأنا نقول: الخبر ما يدل على التصديق، سواء تخلف المدلول أو لا، ولولا ذلك لم يوجد خبر كاذب على هذا


(١) الجاحظ: أبو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني. شيخ الأدباء وإمامهم في الفصاحة والبيان، ولد بالبصرة سنة ١٥٠ هـ وتوفي ٢٥٥ هـ.
(٢) هكذا وردت بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>