حيث قال، وأنكر الجاحظ انحصار الخبر فيهما أن الفعل المقدر؛ أنكر لأنه يفضي إلى تكلفات بعيدة، بل ذكر حاصل كلام المتن في هذا المقام.
(مطابقته) أي صدق الخبر مطابقة الخبر للواقع (مع الاعتقاد) أي مع اعتقاد المخبر أنه مطابق، كذا ذكره الشارح اقتفاء للإيضاح، ويتجه عليه: أنه حينئذ يشكل إرجاع ضمير معه في تعريف الكذب إليه، فالوجه أن يقال: المراد مطابقة الخبر للواقع مع اعتقاد المخبر، وقوله (مع) متعلق بالمطابقة، ولتشريك الاعتقاد، والواقع في مطابقة الخبر وحينئذ معنى قوله (وكذبه عدمها معه) أي عدم مطابقة الخبر للواقع مع اعتقاد المخبر، والمقصود تشريك الاعتقاد، والواقع في عدم مطابقة الخبر؛ فيكون جميع ما اعتبره الجمهور، والنظام في الصدق معتبرا في الصدق عنده، وكذا في الكذب بصريح التعريف، بخلاف توجيه الشارح، فإنه جعل اعتبار مطابقة الاعتقاد في الصدق لازم ما اعتبره في مفهومه من اعتقاد أنه مطابق، وجعل اعتبار عدم مطابقة الاعتقاد في الكذب لازم ما اعتبر في مفهومه، وهو اعتقاد أنه ليس بمطابق، وبين اللزوم بأن الواقع والاعتقاد متوافقان، حينئذ يعني متوافقان في التحقيق والانتفاء، فالمطابق وهو الخبر لأحدهما مطابق للآخر، وغير مطابق لأحدهما غير مطابق للآخر، ويمكن بيان اللزوم بوجه آخر، وهو أنه إذا اعتقد المخبر أن خبره مطابق للواقع فلا محالة اعتقد الخبر فقد طابق خبره اعتقاده، وإذا اعتقد أن خبره غير مطابق للواقع فلم يعتقد خبره فلم يطابق خبره الاعتقاد، وهذا البيان لا يتوقف على توافق الواقع والاعتقاد، بل يتأتى مع تخالفهما لكنه لا ينافي صحة البيان بالتوافق الواقع، فاعترض بعض الأفاضل، بأن اللزوم ظاهر على تقدير نخالف الواقع والاعتقاد أيضا، فلا يحسن التعليل بالتوافق، ليس على سنن التوجيه.
وقوله:(وغيرهما ليس بصدق ولا بكذب) إشارة إلى أن الصادق والكاذب بتفسيره أخص منهما بتفسير غيره، لأنه اعتبر فيهما مجموع ما اعتبره غيره، ويحتمل أن يكون نفيا لمذهب الجمهور، والنظام أي الصدق مثلا.
هذا وليس غيره مما ذكر صدقا، ويرجح الأول موافقته للإيضاح، وتخصيصه ببيان مذهب الجاحظ، فإن الثاني يجري في مذهب الجمهور والنظام، ولم يذكر