للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهما، فلو كان المراد ذلك لم يكن وجه لتخصيصه بمذهب الجاحظ.

(بدليل) كأنه سمي الأمارة دليلا مبالغة في قوته: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (١) قال الشارح المحقق: لأن الكفار حصروا إخبار النبي- عليه السّلام- بالحشر والنشر في الافتراء أو الإخبار حال الجنة على سبيل منع الخلو، وهو الحق الظاهر من سابق الآية؛ لا ما ذكره المصنف في الإيضاح؛ حيث قال:

فإنهم حصروا دعوى النبي- عليه السّلام- للرسالة في الافتراء والإخبار حال الجنون، إلا أن يتكلف، ويحتمل قوله للرسالة على الرسالة في هذا الحكم، فيرجع إلى ما قال الشارح.

بقي أن استدلال الجاحظ لا يتوقف على منع الخلو، بل على تقدير منع الجمع دلالة الدليل أقوى، ويدله أن تحمل على منع الخلو، ليس لتوقف الاستدلال، بل لأن وضع (أم) له فتأمل. (و) بالجملة (لا شك أن المراد بالثاني) أي قوله (أم به جنة) (غير الكذب لأنه قسيمه) أي لأن المراد بالثاني قسيمه، فلا يصح أن يكون الكذب، وهذا أولى من قول الشارح، أي لأن الثاني قسيمه، فافهم. ولك أن تفسير قوله: لأنه قسيمه بأن الكذب قسيم المراد بالثاني، أو الثاني. (وغير الصدق لأنهم لم يعتقدوه) قال الشارح المحقق: أي لم يعتقدوا الصدق، فعند إظهار تكذيبه لا يريدون بكلامه الصدق الذي هو بمراحل عن اعتقادهم، ولو قال: لأنهم اعتقدوا عدمه لكان أظهر، يريد دفع ما يتوجه على المصنف من أن الاستفهام عن الشيء لا ينافي عدم الاعتقاد بأن المراد بقوله لم يعتقدوه البعد عن الاعتقاد، بحيث لا يرضى المستفهم بالاستفهام عنه؛ لكن في قوله: فعند إظهار تكذيبه مؤاخذة، وهو أن الآية على مذهب الجاحظ ليست لإظهار التكذيب؛ بل لإظهار عدم الصدق، فالأولى أن يقول: فعند إظهار عدم صدقه لا يريدون بكلامه الصدق الذي هو بمراحل عن اعتقادهم.

ونحن نقول: احتاج إلى التكلف لجعله ضميرا؛ لأنهم لم يعتقدوه إلى السائلين، ولو جعل إلى المخاطبين لتم على ظاهره؛ لأن ما لم يعتقده المجيب وظهر أنه غير معتقد له لا يسأل عنه، وإنما يسأل عما يحتمل أن يكون معتقدا له، ويرجى


(١) سبأ: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>