الجواب عنه، ولا داعي في المتن لجعل الضمير إلى السائلين، نعم عبارة الإيضاح ظاهرة فيه، حيث قال: وليس إخباره حال الجنون كذبا لجعلهم الافتراء في مقابلته، ولا صدقا لأنهم لم يعتقدوا صدقه، فافهم.
وإذا لم يكن مراد البلغاء بقولهم (أم به جنة) الصدق ولا الكذب فلا محالة مرادهم الواسطة، فثبت بإرادتهم الواسطة؛ إذ لو لم يكن لم يريدوا لأنهم البلغاء العارفون باللسان الذين مرجع معرفة صحة كل كلام كلامهم، فليس المعترض بأن عدم إرادتهم صدقه، لا يوجب عدم صدقه، حتى يكون واسطة بمرأى من المحصلين ولا بمسمع.
(ورد) هذا الدليل بمنع أن المراد بالثاني غير الكذب، ومنع أنه قسيم الكذب، أو منع استلزام الدليل مطلوبه بسند أنه قسيم الافتراء الذي هو الكذب عن عمد، فليكن المراد به الكذب لا عن عمد، وهذا الذي قصده (بأن المعنى أم لم يفتر) فإن قلت: أم لم يفتر أعم من الكذب لا عن عمد، ويحتمل الصدق، فلا يكون مرادا لأنهم لم يعتقدوا محتمل الصدق، أو اعتقدوا عدمه! ! قلت: عدم اعتقادهم محتمل الصدق يخصه بالكذب لا عن عمد، على أن نفي الافتراء الذي هو الكذب عن عمد يرجع إلى العمد، ويبقى الكذب ثابتا، على ما هو الشائع في دخول النفي على المقيد، ولما كان نفي الافتراء غير ظاهر الإرادة بقوله (أم به جنة) فسره ببيان العلاقة بقوله: (فعبر عنه) أي عن عدم الافتراء أو عن معنى لم يفتر (بالجنة) أي بالجنة ليصير مضمون أم به الجنة، وليس المراد أنه عبر عنه بلفظ الجنة حتى يكون معنى (أم به جنة): أم به عدم الافتراء، لظهور فساده، والأولى أن يقول: فعبر عنه بالثاني.
(لأن المجنون لا افتراء له) بالضرورة فيلزم الجنة عدم الافتراء.
قيل: كون الافتراء الكذب عن عمد إما بحسب الوضع أو بحسب الإرادة، وكل منهما دعوى لا تسمع بلا بينة، ولا مقابلة (أم به جنة) لا يصير دليلا على اعتبار القصد في الافتراء، لأنه يحتمل أن يكون المراد به أن ما ينطق به الصوت مجرد كألحان الطيور، خارج عن الاعتداد والاتصاف بالصدق والكذب، فالأولى أن تحمل الآية على أنه، إما كاذب، أو مصوت صوتا لا معنى له، ولا اعتداد