بالوجود وبالعدم، وكل حكم يستلزم انتفاء الآخر فيلزم وجود كل من الحكمين وعدمه.
قال الشارح: تأويل كلامهم: أن المدلول ليس الثبوت والعدم قطعا، بحيث لا ينفك عن الدلالة، إذ فهم الثبوت أو الانتفاء من الخبر ضروري لا يمكن إنكاره، ولو كان مدلول الخبر الحكم لوجود المعنى وانتفائه لما كان لإنكار الخبر معنى؛ لامتناع أن يقال: إنه لم توقع النسبة، ولكان مفهوم جميع القضايا متحققا دائما، فلم يصح قولهم بين مفهومي: زيد قائم، وزيد ليس بقائم تناقض، لامتناع تحقق المتناقضين، وفيه أولا: منع امتناع أن يقال لم توقع النسبة لجواز أن يكون التكلم على خلاف الاعتقاد، ومنع تحقق مفهوم جميع القضايا لجواز أن لا يكون المتكلم باللفظ عالما بالمعنى، إلا أن يراد إمكان تحقق مفهوم جميع القضايا لجواز أن يتكلم بالنقيضين شخصان عالمان بمضمونهما، وأنه يجوز أن يكون مدلول الخبر الحكم المطابق، فلا يمكن تحقق المتناقضين لعدم إمكان مطابقة حكميهما، ويجوز إنكار الحكم المطابق بإنكار مطابقته بلا خفاء. وثانيا: أنه لو كان تأويل كلامهم ما ذكره لكان حاصله إنكار قطعية الدلالة، ولا تعلق لذلك الإنكار بكون المدلول الحكم بالثبوت والانتفاء، أو الثبوت والانتفاء في الواقع؛ فإن قطعية الدلالة باطلة لكونها وضعية، مع كون المدلول الحكم أيضا بالوجوه المذكورة، كما أشرنا إليه؛ إلا أن يقال: إن مرادهم أن المدلول بالوضع وجود المعنى وعدمه، من حيث إنه متعلق حكم المخبر، وبواسطته يدل على ثبوت المعنى وعدمه في الواقع، وليس المدلول أولا ثبوت المعنى أو عدمه قطعا، بحيث لا يحتمل الخلاف، وإنما تعرضوا لمدلولية الثبوت والعدم من حيث إنهما متعلقا الحكم؛ لأنه بتوسطه يظهر أن الدلالة غير قطعية، لجواز عدم مطابقة العلم، نعم لا ينحصر وجه عدم القطعية فيه إذ دلالة الخبر باستعمال المخبر فيما قصد به، فيجوز أن يتخلف لعدم استعماله في صورة ذهنية متحققة، بأن يتلفظ به من غير صورة ذهنية، ومن هاهنا انكشف ترتب الدلالات الثلاث في المكتوب؛ دلالة الخط على اللفظ، واللفظ على الصورة الذهنية، أي التي من حيث إنه متعلق علم المتكلم، ودلالة الصورة الذهنية على الأمر الخارجي، أي على الشيء مع قطع النظر عن أنه متعلق العلم.