العلم بالحكم من الخبر، فالعلم بالحكم منه لا ينفك عن العلم بكون المخبر عالما، والعلم بكونه عالما بالحكم منه ينفك عن العلم بالحكم منه، كما في قولك: حفظت التورية لمن حفظه، وهذا بيان واضح لا تحوم حوله ريبة. إلا أنه خفى على السلف والمصنف ذكر في بيان أن علم المخاطب بالحكم منه يستلزم علمه بكون المخبر عالما به منه، بأن العلم الثاني لو لم يحصل عند الأول فإما لأنه قد حصل قبل، أو لم يحصل بعد، وكلاهما باطل.
وبين الشارح بطلان الأول بأن: العلم بكون المخبر عالما بالحكم يوجب كون الحكم حاصلا في ذهنه ضرورة، وإن لم يجب أن يكون حصوله من ذلك الخبر، وفيه نظر؛ لأنه مبني على أن اللازم مجرد إدراك أن المخبر عالم بالحكم، ولو تصورا، وقد عرفت ما فيه، بل الحق في بيانه أن علم المخبر بالحكم من الخبر يتوقف على علم المخاطب بكونه عالما به علما مطابقا كما عرفت، ولو حصل هذا العلم قبل حصول العلم بالحكم بالخبر لحصل العلم بالحكم أيضا قبل حصوله بالخبر، فيكون حصوله بالخبر تحصيل الحاصل. وبين المصنف بطلان الثاني، بأن سماع الخبر من المخبر كاف في حصول الثاني منه، وأثبته الشارح بأن التقدير: أن حصولهما من نفس الخبر، وفيه نظر؛ لأن التقدير الذي نحن فيه ليس إلا أن حصول الحكم بالخبر، لا نقول إذا كان حصول الحكم بالخبر كان حصولهما به؛ لأنه لازمه؛ لأنا نقول: هذا أول المسألة ونحن في بيانه، فالتمسك به مصادرة، فالوجه أن يقال: إن سماع الخبر من المخبر الموثوق به كاف في حصول الثاني منه؛ لأنه لا يتكلم على خلاف علمه، فإن قلت: كثيرا ما نسمع خبرا وليس في ذهننا أن المخبر صادق، قلت: إن أردت أنه ليس مجمل هذا الحكم، فمما لا يسمع، وإن أردت أنه ليس مفصلا فلا يقدح.
واستصعب الشارح الإشكال فاختار طريقا ثالثا في تعيين الفائدة ولازمها؛ فجعل الفائدة الحكم، ولازمها كون المخبر عالما به، وهذا ضروري للمخبر، ولا يخفى عليك أن الضروري حصول صورة الحكم في ذهنه لا التصديق به، وهو المدار، والأول بمعزل عن الاعتبار، وبعض الناظرين في هذا الكتاب ذكر احتمالات كثيرة يمكن اعتبارها في الفائدة ولازمها، وكان لنا عليه زوائد، لكن أمثال هذا لا ينفع