الجد إلى رجحان هذا التوجيه، وإلى أن له توجيها آخر إلا أن السيد السند زيف هذا التوجيه واستبعده جدّا؛ لأن الرسل إنما أرسلوا إلى أصحاب القرية ليدعوهم إلى عيسى- عليه السّلام- والتصديق بنبوته، والانقياد لدينه، فإيهامهم إياهم أنهم أصحاب وحي من الله بلا واسطة رسول مستبعد جدّا، فلا يليق أن يوجه به فضلا عن أن يكون توجيها راجحا؛ بل الظاهر أن مرادهم: إنا إليكم مرسلون من عيسى بأمر الله، وأن تكذيبهم إنما هو في كون مرسلهم رسولا من الله، لا في كونهم مرسلين من ذلك الرسول، وأن الخطاب في قوله (إن أنتم) يتناول الرسل والمرسل معا على طريق تغليب المخاطبين على الغائب، فيكون نفي الرسالة عنهم تغليبا له عليهم، كأنهم أحضروا عيسى- عليه السّلام- خاطبوه بنفي رسالته من الله، مبالغة في إنكارها.
ونظير ذلك في الاشتمال على التغليبين أن يبلغ جماعة من خدم السلطان حكمه إلى أهل بلد فيقولوا في ردهم: إن حكمكم لا يجري علينا؛ إذ فينا من هو أعلى يدا منكم، هذا ونحن نقول أولا: إن استبعاده لتوجيه الشارح ليس بذاك لجواز أن يقولوا: حكم الله في حقكم أن تصدقوا عيسى في جميع ما جاء به، فإن فيه دعوتهم لهم إلى عيسى على وجه يوهم أنهم أصحاب وحي.
وثانيا: إنه يحتمل أن يكون المقصود بالنفي في إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا مع دخول عيسى- عليه السّلام- في الخطاب نفي إمكان رسالتهم عن الله، فيدخل عيسى في نفي الإمكان، ويثبت نفي رسالته على آكد وجه، فلا يكون في الكلام إلا تغليب واحد، والأظهر أن المراد بقوله (إنا إليكم مرسلون) إنا إليكم مرسل أحكامنا، ويؤيده جدّا قولهم:(وما أنزل الرحمن من شيء) فإنه ظاهر في نفي كون الأحكام مرسلة.
(ويسمى الضرب) النوع (الأول) أي الكلام الملقى مع الخالي سواء نزل منزلة المتردد أو المنكر أو لا (ابتدائيّا) فقوله تعالى: إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (١) ابتدائي، وإنما سمي به لأنه ابتداء كلام من غير سبق طلب، أو إنكار، كذا نقل عن المصنف، وتبعه السيد السند في شرح المفتاح، والأظهر: لأنه إحداث صورة