للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتبارات الإثبات، وقس عليها اعتبارات النفي، كقولك: ليس زيد، أو: ما زيد منطلقا، أو بمنطلق، وما ينطلق، أو ما إن ينطلق زيد، أو ما كان زيد ينطلق، أو ما كان زيد لينطلق، ولا ينطلق زيد، ولن ينطلق زيد، والله ما ينطلق، أو ما إن ينطلق زيد. هذا وكيف لا وقوله هذا كله اعتبارات الإثبات نص في كون السابق مختصّا بالإثبات، فكيف يصح جعل قوله: وهكذا اعتبارات النفي لدفع توهم التخصيص؛ ولعبارة الكتاب احتمال في نفسه جدير بأن يقطع لأجله النظر عن رعاية مطابقته لما في الإيضاح والمفتاح في هذا المقام، وهو أن باقي اعتبارات النفي مع وجود الشيء مثل ما مر؛ فإن كل ما مر نفي لما تحقق وجوده فيندرج فيه تنزيل السائل منزلة الخالي، كما أشرنا إليه.

وغير ذلك مثل: لا رَيْبَ فِيهِ على وجه، ومثل: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ (١).

واعلم أنه قال صاحب المفتاح: إن إخراج الكلام على مقتضى الظاهر يسمى في علم البيان بالتصريح، وخلافه يسمى بالكناية، ولما كانت الكناية في المشهور وعلى الوجه المذكور في البيان اللفظ المراد به لازم ما وضع له من غير قرينة مانعة عن إراداته، والتصريح اللفظ المراد به ما وضع له، ولم تكن المعاني المستتبعة للتراكيب مما وضع لها اللفظ، وكان اعتبارات الكناية والتصريح باعتبارها غير ظاهر، حتى لم يعلم أن هذا معنى آخر للكناية، والتصريح أو تجوز مبني على التشبيه، واشتبه مقصوده- أعرض عنه المصنف بالكلية، وما قال السيد السند: إن المعاني المستتبعة في عرف البلغاء هي المعاني الأصلية، يرده أنه لو كان كذلك لكان: زيد قائم بلا تأكيد مرادفا لقولنا: أنت خالي الذهن عن قيام زيد، فكما لا دقة ولا مزية لهذا الكلام لم تكن لزيد قائم، إذ السابق في دلالات عقلية وانتقالات غير وضعية يكشف عن مزيد ذكاء وفطنة، ولا منقبة في الانتقالات المبنية على الأوضاع، أو يستوي فيه الخواص والعوام.

وأيضا لا بد في الكناية من صحة إرادة المعنى الحقيقي.

وإذا ألقى الخالي عن التأكيد إلى المنكر، لا يصح أن يراد به: إنه خالي


(١) الأنفال: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>