تنبه المخاطب على أن هذا المتكلم كاذب في ادعاء أن هذا الخبر موافق اعتقاده يؤكد الحكم، وإن لم يكن مخاطبك منكرا ليطابق ما ادعاه.
وعليه قوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ وأما قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ فإنما أكد لأنه مما يجب أن يبالغ في تحقيقه لأنه لدفع الإيهام، وإلا فالمخاطب عالم به وبلازمه.
هذا ولا يخفى عليك أن التأكيد للخبر الذي يفاد به لازمه لكون المخاطب منكرا له داخل في بيان المصنف؛ لأنه صرح بالحكم لأنه الأصل، ولظهور الأحكام فيه دون اللازم، وتأكيد إن المنافقين لكاذبون، ويحتمل أن يكون لتنزيل المخاطب منزلة المنكر، لأن من شأن المخاطب لحرصه على إيمان الأمة أن يقبل منهم مبالغتهم في اعتقادهم برسالته، وتأكيد وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ لأن المخاطب مع الموهم في عرضة الإنكار، فنزل منزلة المنكر، ولأمر ما اقتصر السكاكي والمصنف بعد تتبع كلام الشيخ والكشاف على ما ذكرا في التأكيد، وتركه والله تعالى أعلم.
ولما فرغ من بيان أحوال الإسناد، ذكر بيان الحقيقة العقلية والمجاز العقلي عقيبه ليعلم أن إسناد الشيء إلى شيء قد لا يراد به ظاهره، فيعلم أن من خاطب الموحد بقوله: أنبت الربيع البقل لا يحتاج إلى التأكيد، وليس تركه التأكيد مبنيا على التنزيل، إذ ما أريد به ليس ما ينكره الموحد، وللتعلم أن مخاطبة من سمع عنه: أنبت الربيع البقل بأنبت الله البقل لا يحوج إلى التأكيد، لأنه قوله: أنبت الربيع البقل لا يفيد إنكاره أنبت الله البقل، وإلا فبيان الحقيقة والمجاز العقليين كاللغويين مما يذكر في البيان، وإن كان له تعلق بالمعاني باعتبار أنهما قد يقتضيهما الحال.
ورعاية هذه الحيثية لا توجب تخصيص العقليين بالإيراد في المعاني، لشمولها للكناية، والمجاز اللغوي أيضا، وتصدير البحث «بثم» للتراخي الرتبي، لأنه ليس كسابقه مقصودا؛ بل متطفلا، وليس إيرادهما في المعاني من المصنف لزعم أنهما من المعاني على خلاف ما ذهب إليه المفتاح كما زعم الشارح، حتى يرد عليه بما ذكره من أنه لا فرق بينهما وبين اللغويين.