المفعول به، ووضعه مقامه، وإبرازه في صورته تنبيها على قوته؛ فإن أقوى تعلقات الفعل بعد التعلق بالفاعل تعلقه بالمفعول به، ولا يجب أن يكون هناك مفعول به محقق، بل يكفي توهمه وتخيله، كما تقول: أقدمني بلدك حق لي عليك، لتوهم مقدم وتخيله؛ مع أنه لا مقدم هناك، ولا متحقق إلا قدوم للحق، إلا أنك صورت الحق في صورة المقدم الموهوم مبالغة في سببيته، وسيأتي مزيد تحقيقه. فضرب الدار لا معنى له إلا جعله مضروبا، ولا يتأتى فيه تفصيل، نعم يشكل الأمر في: ضرب في الدار، وضرب للتأديب، فإنه لا يظهر جعل الدار مضروبة مع وجود في، بل يتعين جعلها مضروبا فيها، ولا يظهر جعل التأديب إلا مضروبا له، فلا تجوز فيهما بل مما حقيقتان. هذا إذا جعل نحو في الدار ظرفا، ونحو للتأديب مفعولا له، كما هو مذهب الشيخ ابن الحاجب؛ أما لو جعلا مفعولا به بواسطة حرف الجر كما هو المشهور المتفق عليه الجمهور فلا إشكال؛ لكن تمثيل المصنف للمكان بقوله: نهر جار، وللسبب بقوله: بنى الأمير المدينة، ويرشد إلى أنه لم يجعل النهر والأمير مفعولا به بالواسطة- لا يصح أن يكون النهر مفعولا فيه، إلا بذكر «في»؛ لأنه ليس مكانا مبهما، ولا يصح أن يكون الأمير مفعولا له إلا بذكر اللام، فلو كان المفعول فيه وله بالواسطة عنده مفعولا به لما مثل بهما للمكان، والسبب المقابلين للمفعول به.
ثم أشار إلى أمثلة أقسام المجاز بل شواهدها على ترتيب ذكرها، مما هو مستفيض دائر على ألسنة البلغاء فقال:(كقولهم عِيشَةٍ راضِيَةٍ*) هذا مثال إسناد ما بني للفاعل إلى المفعول به. (وسيل مفعم) مثال عكسه إذ المفعم اسم المفعول من: أفعمت الإناء ملأته، وقد أسند إلى الفاعل (وشعر شاعر) مثال إسناد المبني للفاعل إلى المصدر، وإنما صح التمثيل به مع أن الشعر أطلق هنا على المؤلف لا على تأليف الشعر حتى يكون مصدرا، والظاهر أنه من قبيل: عيشة راضية؛ لأنه جعل إطلاق الشعر في مقام المبالغة يجعل المؤلف عين المصدر، فوصفه بالشاعر فرع، ووصف المصدرية ومن قبيله، وإلا فلا يحسن وصفه بما لا يوصف به المصدر في دعوى كونه عين المصدر؛ إذ جعله من قبيل إطلاق الموصوف لا من وصف ما أطلق عليه ولا من إطلاق الشعر على مسماه، كما في