المتبادر من السمع في هذا الفن السماع من البلغاء لا من الشارع (واللوازم) الأربعة (كلها منتفية) ظاهرة الانتفاء، وكيف لا والكلام المعجز والكلام المستفيض بين البلغاء صحته أجلى من النهار، ووجوب توجه الأمر بعد النداء إلى المنادي لا مدخل فيه للإنكار، ولكل أحد في استعمال مثل: أنبت الربيع البقل استقلال واختيار، وأجيب عنه بأن السكاكي يمنع كون أحد من البلغاء على مذهب التوقيف، فلذا لم يقفوه على الأذن، وأما العلماء فلم يمنعوا من استعماله مع قولهم بالتوقيف؛ لأنهم زعموا أنهم قصدوا المجاز العقلي، والاقتداء بهم في معرفة وجوه تصرفات كلام البلغاء؛ لأنهم لم يهتموا بالإحاطة بجميع تصرفات كلامهم، فلا يبعد أن لا يفهموا بعض تصرفاتهم في الكلام. وفيه أنه لا خفاء في أن حسن المجاز العقلي مما لا ينكر، فلا ينبغي نسبة التقصير إلى العلماء في تحصيل مراد البلغاء وتجويزهم استعمال التراكيب الممنوعة شرعا، لا عن تحقيق لباعث تقليل الانتشار وتقريب الفن إلى الضبط؛ فإن ذلك الباعث ليس بمثابة يحسن العمل بمقتضاه، مع تخطئة أرباب الدين والانتباه، بل الجواب أن صحة أنبت الربيع إنما يتوقف على السمع لو أريد بالربيع ذات الله تعالى، ولو أريد الفاعل الحقيقي على الإجمال فلا يتوقف على السمع، وإن كان ذلك الفاعل المجمل هو الله تعالى، كما يقال لا بد للممكن من شيء يوجده، فلا يلزم من إطلاق الشيء هنا مع أنه في الواقع ليس إلا ذاته (١) منع شرعي، وأجيب عن هذه الاعتراضات بمنع الاستلزام؛ لأن مذهب السكاكي في الاستعارة بالكناية ليس أن المراد بالمشبه المشبه به حتى يكون المراد بالربيع مثلا هو الله تعالى؛ بل المشبه بادعاء فإنه عين المشبه به، والادعاء لا يوجب كونه عين المشبه به حتى يلزم شىء منها، ويتجه عليه أنه حينئذ لم يصر إسناد ما هو للمشبه به إلى المشبه إسنادا إلى ما هو له حتى يصح إنكار المجاز العقلي لجعله من قبيل الاستعارة بالكناية، ويدفع بأن المسند إلى الاستعارة بالكناية ليس ما هو للمشبه به بل صورة وهمية شبيهة بالمسند، فهو للمشبه حقيقة، وحقه أن يسند إليه، ويزيف هذا الدفع بأن ما قيل: إن قرينة الاستعارة بالكناية عنده استعارة تخييلية هي اللفظ المستعمل في الصورة الوهمية لا غير، خطأ؛ لأنه صرح في بحث رد المجاز العقلي إلى الاستعارة بالكناية أن قرينة