الاستعارة بالكناية قد تكون أمرا وهميّا كما في (أظفار المنية) ونطقت الحال، وقد تكون أمرا محققا كما في أنبت الربيع البقل، وهزم الأمير الجند، وقد أخبرناك أن معنى كلامه هذا شيء آخر، وستطلع عليه في شرحنا هذا إذ يأتي محله.
وبما ذكرنا ظهر أن مبنى الاعتراضات على أن مذهب السكاكي في الاستعارة بالكناية أن يراد المشبه به حقيقة، وأن المراد بما أسند إلى المشبه به معناه الحقيقي في هذه الأمثلة، لا على مجرد أن المراد المشبه به حقيقة، حتى يكفي في دفعها الإشارة إلى أنه يراد به نفس المشبه بادعاء كونه مشبها به، كما ظنه الشارح، وتبعه القوم، وقد يقال مبني الاعتراضات على أن السكاكي جعل الاستعارة بالكناية من قبيل المجاز، وذلك لا يتم بدون الاستعمال في المشبه به حقيقة، وإن صرح بخلافه في تحقيق الاستعارة بالكناية، وفيه أنه لا ينفع في دفع إنكار المجاز العقلي لأن له أن يبنى الرد إلى الاستعارة على ما يقتضيه ما ذكره في التحقيق، لا على ما يقتضيه جعله من المجاز، ويمكن أن يقال في رد كلام السكاكي: إنه يلزم أن يكون المراد نفسه بعيشة في عيشة راضية صاحبها، وهو لا يصح سواء كان صاحبا ادعائيا أو حقيقيا؛ لأن مبني الاستعارة على تناسي المغايرة، ومبني الظرفية على دعواها، وهما متنافران، يتنفر عنه البليغ. وهكذا في نهاره صائم؛ لأن الإضافة تستدعي المغايرة، والاستعارة الاتحاد، وليس لك أن تحمل كلام المصنف عليه؛ لأنه لا يأباه النظران الأخيران.
(ولأنه ينتقض بنحو نهاره صائم لاشتماله على ذكر طرفي التشبيه) وهو مانع عن الحمل على الاستعارة كما صرح به في كتابه، وجوابه أن هذا مبني على أنه جعل الاشتمال على الطرفين مطلقا مانعا، وليس كذلك لأنه أراد به الاشتمال على الطرفين من حيث إنهما طرفان، وكيف لا وقد جعل زر أزراره على القمر من قبيل الاستعارة، وليس النهار وما أضيف إليه طرفا التشبيه، لأن الإضافة لامية، لتعيين المشبه المستعار؛ لأن المشبه بالشخص نهار خاص، لا مطلق النهار، وإنما يكونان طرفي التشبيه لو كانت الإضافة في معنى الحمل للمبالغة في التشبيه، ولا يخفى أن طرفي التشبيه حقيقة فيما يكون متصفا بكونه ظرفا، فلا حاجة في دفع الانتقاض إلى تقييد منافاة الاشتمال على طرفي التشبيه للاستعارة،