وقال غيرنا: معنى أبي لهب ملابس النار ملابسة ملازمة، وهو لازم الجهنمي؛ لأن اللهب الحقيقي لهب نار جهنم، فإن قلت: لم لم يكتف في المعنى الكنائي بكونه وقود النار في جهنم، أو ملابستها فيه، واعتبر الانتقال منه إلى كونه جهنميّا؟ قلت: لأن كونه جهنميّا يفيد عذابه بالنار، وغيرها مما في جهنم، فإن قلت: المعنى الحقيقي لا يكون مقصودا في الكناية، وهنا قصد الذات المعين! ! قلت: المعنى الأصلي في نظر البليغ كونه مولدا للنار أو ملازما لها، وهو لم يقصد هاهنا، بل توسل به إلى قصد الجهنمي، فإن قلت: المعنى الأصلي ليس معي حقيقيّا لأبي لهب لأنه حيوان يتولد من نطفته اللهب، قلت: الأكثر في الكناية إرادة لازم الموضوع له، وقد يكون المعنى الأصلي فيه معنى مجازيّا كثر الاستعمال فيه، حققه صاحب الكشف، وستطلع عليه.
وقد يقصد بأبي لهب لازم الذات، وهو الجهنمي لاشتهار الذات في ضمن هذا اللفظ به، فأبو لهب فعل كذا معناه حينئذ جهنمي فعل كذا، وأبو لهب كناية عن الصفة كما تقول: جاءني جبان الكلب، وتريد جاءني مضياف، فحينئذ أبو لهب منكر بإرادة الوصف المشتهر به مسماه في ضمنه له، وهو بمعزل عن مقام التعريف بالعلمية، فلا ينبغي أن يحمل الكناية هنا عليه، ولا أن يجعل من المحتملات كما ذهب إليه السيد السند، ولا يصح إنكار فهم الجهنمي منه بهذا الاشتهار لسند أنه لو قيل هذا الرجل فعل كذا مشارا به إليه لم يفهم كونه جهنميّا، كما زعمه الشارح المحقق؛ لأن اشتهار الذات بالوصف في ضمن لفظ لا يستدعي فهمه من أي لفظ عبر به عن الذات، ولا يصح أن يكون جاءني حاتم للاستعارة بشخص آخر باعتبار أنه بمنزلة جواد، لاشتهاره به، من نكات التعريف بالعلم؛ لأنه حينئذ ليس علما ولا معرفة؛ لكن من النكات قصده الإشارة إلى صفة له يشعر بها العلم إما لاشتهار الذات بها في ضمنه نحو جاءني حاتم وإما لإشعار معناه الأصلي بذلك نحو: أبو الجهل، وأبو المحاسن الأصلي.
(أو إيهام استلذاذه) أي وجدانه لذيذا نحو قوله:
تالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر (١)
(١) البيت للحسين بن عبد الله أو العرجي وهو في الإيضاح (٣٣٠) والطراز (٣/ ٨١) والمصباح (٨٨).