للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وإنما الداخل) فيه القرب على وجه هو قيد للذات وملحوظ معه إجمالا وما جعل داعيا إلى إيراد اسم الإشارة بيان أنه قريب وإفادة هذا الحكم إذا دعا المقام إليه، كما تقول لمن يخاطبك بما لا ترضى أن يسمعه غيرك: تسمع هذا، فالترديد بالتعبير عنه بهذا الإيماء إلى أنه قريب ليمتنع المتكلم عن التكلم، أو يقول المتكلم في ردك: لا يسمع أولئك فيعبر بأولئك للإشارة إلى أنه بعيد لا يسمع؛ ولمزيد توضيح هذا المقصود قال بيان حاله في القرب ... إلخ. ولم يقل بيان القرب ... إلخ.

فتأمل.

ولا يبعد أن يقال: المقصود منه التنبيه على أن غرض البليغ ربما يكون بيان المعنى الموضوع له إذا لم يكن مقام يقتضي أريد منه إما لقصور المخاطب أو لغير ذلك، وهذا مما ينفعك في كثير من مباحث المعاني من أشكاله وينجيك من صعوبته وإشكاله (كقولك: هذا أو ذلك أو ذاك زيد) أي: كقولك هذا زيد أو قولك ذلك زيد أو قولك ذاك زيد، فإن قلت: الظاهر العطف بالواو؛ لأن التمثيل بالثلاثة للنكت الثلاثة السابقة قلت: التمثيل نشر على ترتيب اللف، والمتعارف فيه العطف بكلمة أو واستطلع على وجهه إن شاء الله تعالى، ولك أن تجعله حكما واحدا مشتملا على الأمثلة الثلاثة مشتملا على الترديد (أو تحقيره بالقرب) أي: بسبب القرب إما بأن تريده للانتقال منه إلى التحقير فيكون من قبيل الكناية، وإما بأن تريد التحقير لعلاقة له بالقرب فيكون مجازا (نحو أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (١) أو تعظيمه بالبعد) تنزيلا لبعد درجته منزلة بعد المسافة (نحو الم ذلِكَ الْكِتابُ (٢) أو تحقيره بالبعد كما يقال ذلك اللعين فعل كذا) كأنه لم يذكر التعظيم بالقرب مع أنه يناسب التعظيم بأن ينزل قربه من ساحة الحضور والخطاب منزلة قرب المسافة، وأعرض عنه في الإيضاح أيضا لأنه لم يجده فيما بينهم، ويرده قوله تعالى رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا (٣) وقوله تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (٤) واعلم أن اسم الإشارة المستعملة في


(١) الأنبياء: ٣٦.
(٢) البقرة: ١، ٢.
(٣) آل عمران: ١٩١.
(٤) الإسراء: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>