للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ مِثْلِهِ (١) وجعل الكلام تهكما لا يحوج إلى جعله للتعجيز، كما لا يخفى على صاحب التميز، [إذا جمعتنا يا جرير] في هذا الخطاب البعيد أيضا قرينة غباوته، كأنه قيل: لا تعرف أنك المخاطب ما لم تناد، ولا تحسب قريبا لبلادتك، ولا تزال تعد بعيدا [المجامع] أي المجالس؛ أي مجلس كثير الحضار، من طوائف العرب، كأنه مجالس، وفيه إشارة إلى أنه بعيد عن الإنصاف، مكابر جدّا، حتى ولو لم يكن كثرة الشاهدين بالحق لادعى ما يشاء، ولا يفحمه الحق المبين الواضح البيضاء، وفي الأساس الجوامع لبيان لغة الجامعة بالأمر الذي يجتمع له الناس، وجعل المجامع مصدرا ميميّا بمعنى الفاعل بجمع الروايتين معنى تكلف بعيد وعنه غنى.

(أو بيان حاله في القرب) الرتبى (والبعد والتوسط) آخر التوسط، مع أن الظاهر حاله يقتضي التوسط، لما قيل: إنه يتحقق بعد تحقق الطرفين، أو لأنه ناقص في كل من القرب والبعد، ولا يخفى أن جعل القرب الرتبى وأخويه ذريعة للتعظيم، والتحقير أقرب، فلا يرد ما استصعب من أنه كيف يعد البيان بالمعنى اللغوي والإفادة بالدلالة الوضعية من الخواص والمزايا، حتى جعل هذا العديل للخواص توطئة لما بعده، ولم يحترز عن عدم مساعدة العبارة، واحتيج إلى دعوى أن القرب والبعد والتوسط ليس مما يقصد باسم الإشارة وضعا، بل من دقائق لا يحيط بها إلا نظر البليغ؛ لأنه يدور على مناسبة الألفاظ بحسب القلة والكثرة والتوسط. وقال الشارح المحقق: إن المعنى الوضعي قد يكون زائدا على أصل المراد؛ فإنه إذا كان المراد أصل الحكم على معين يمكن تصوره بطرق متعددة، فاختار اسم الإشارة لإفادة قربه يكون إيرادا له لزائد على أصل المراد، وهو القرب، ولولا هذا الاعتبار لا يشكل كثير من مباحث المعاني من الإضمار والعلمية والقصر، إلى غير ذلك، ورده السيد السند بأن جميع المعاني اللغوية تصير زائدة على أصل المراد بهذا الاعتبار وتكون الإفادة بالدلالات الوضعية من مباحث علم المعاني؛ مع أنهم صرّحوا بأن نظرهم في الزائد على المعنى الوضعي، ويمكن أن يجاب عن أصل الشبهة بأن الحكم بأنه قريب ليس داخلا في الموضوع له


(١) البقرة: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>