للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أنه نبه صاحب المفتاح بتمثيل العهد بقوله تعالى: وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ (١) على أن العموم والعهد يجتمعان ولا يتباينان كما يوهمه جعلهما قسمين إذ المراد بالسحرة جميعهم مزيف كما نبه عليه السيد السند، والذي أرى أن التعريف العهدي لا يكون إشارة إلا إلى واحد من الجنس، فإن المشير إلى اثنين إنما هو التشبيه، والاثنان حصة واحدة من الجنس الذي هو مفهوم التثنية، وهكذا الأكثر من اثنين حصة واحدة من مفهوم الجمع.

واعلم أن المذكور في كلام الشارح المحقق والإيضاح أن لام الجنس ولام الحقيقة بمعنى، والمذكور في حواشي السيد نقلا عن بعض الأفاضل أن لام الحقيقة ولام الطبيعة بمعنى، وهو قسم من لام الجنس يقابل العهد الذهني والاستغراق (نحو وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى (٢)) لما فسر قوله تعالى وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى بوجهين:

أحدهما: نفي مساواة الذكر والأنثى في التحرير، وهو مبني على كونه من كلام امرأة عمران وتتمة لتحسرها يعني التحسر على وضعها أنثى وعدم مساواتهما في التحرير، فيا ليتها كانت ذكرا أو يا ليتها تساوي الذكر والأنثى في التحرير، فأجاب الله تمنيها بأن جعل أنثاها مساوية للذكر في التحرير، ولو شاء لجعلها ذكرا وحينئذ اللام فيهما للجنس ولا يصلحان مثالين للام العهد.

وثانيهما: أنه من كلام رب العزة تسلية لها بتبشيرها بأن أنثاها تفضل على الذكر الذي طلبته، احتاج المصنف إلى تفسيره حتى يتضح كونهما مثالين فقال:

(أي الذي طلبت) امرأة عمران وهذا يشعر بأنه جعل الذكر معهودا لتعينه باعتبار طلبها لا باعتبار ذكرها فيكون مثالا للعهد التقديري وقوله: (كالتي وهبت لها) إشارة إلى أنها معهودة باعتبار ذكرها في قولها «رب إني وضعتها أنثى»؛ لأن ما وضعتها موهوبة الله، ولو قال: كالتي وضعتها لكان أوضح فهي مثال للعهد التحقيقي، ويمكن جعل الذكر معهودا تحقيقيّا بوجوه، منها: ما ذكره الشارح


(١) الشعراء: ٣٧.
(٢) آل عمران: جزء من الآية: ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>