الدلالة على أن المتقين هم الذين حصلت لهم صفة المفلحين وتحققوا ما هم وتصوروا بصورهم الحقيقة فهم لا يعدون تلك الحقيقة، كما تقول لصاحبك: هل عرفت الأسد؟ وما جبل عليه من فرط الإقدام، إن زيدا هو هو، ولا يخفى أنه أبلغ من قصد القصر ادعاء، ووصفه الشيخ في دلائل الإعجاز بنهاية الدقة حتى كأنه يعرف وينكر، ومن وهم من قوله لا يعدون تلك الحقيقة أنه جعله من قصر المسند إليه على المسند فلا يبالي به، وكيف وقد استولى عليه الوهم إلى أن قال:
إنه جعل ضمير الفصل لقصر المسند إليه على المسند ولم يعرف أنه في بيان معنى التعريف، وقد يشار إلى تعيين الجنس من حيث انتسابه إلى المسند إليه فيرجع التعيين إلى الانتساب كما فى بيت حسان:
[ووالدك العبد]
أى: ووالدك المعروف بالعبودية، وظاهر عبارته يشعر بأن لام الجنس إشارة إلى نفس المفهوم من غير زيادة، وذلك لا يقتضى تعريفا فى المفهوم حتى يعد معرفا لحصولها من نفس استعمال اللفظ، ويستدعى أن يجعل تعريف المعرف بلام الجنس تعريفا لفظيا لا يحكم به إلا لضبط أحكام اللفظ من غير حظ للمعنى فيه؛ كما قال بعض محققى النحاة: كل لام تعريف سوى لام العهد لا معنى للتعريف فيها، والناظرون فى المعانى لهم شرب آخر، ولا يلتفتون إلى هذا المورد، ولا ينظرون إلى هذا المحتد، ولا يعتبرون التعريف اللفظى، ولذلك تراهم طووا ذكر علم الجنس بأقسامه فى مقام التعرض للعلم وأحكامه فيجب أن يحمل قوله:«أو إلى نفس الحقيقة» على نفس الحقيقة باعتبار حضورها وتعينها وعهديتها فى الذهن، يرشدك إليه قوله فيما بعد «باعتبار عهديته فى الذهن» فإن قيل لم لم يجعل علم الجنس موضوعا لجوهره لما وضع له المعرف بلام الجنس؟ قلت: لأن اعتبار التعيين الذهنى تكلف إذ ليس نظر أرباب وضع اللفظ إلا على الأمور الخارجية، وذو اللام يدعو إليه لئلا يلغوا اللام، ولا داعى فيه فى نحو أسامة.
قال السكاكى: لا بد فى تعريف الحقيقة من تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية إما لكون ذلك الشئ محتاجا إليه على طريق التحقيق أو على طريق التهكم فهو لذلك حاضر فى الذهن، أو لأنه عظيم الخطر معقود به الهمم لذلك على أحد