قررناه، هذا كلامه، وأورد عليه أن نفي الرؤية عن واحد وأحد متحقق في: ما أنا رأيت الأحد؛ لأنه وإن عرف فيه الأحد لم يخرج عن الإيهام الذي يستلزم العموم في سياق النفي، فقد ضاع عموم النفي مع ضياع التعريف العهدي، وأن التعرض للنفي عن واحد وأحد ضائع في رد اعتقاد المخاطب أن فاعل الرؤية لكل أحد أنت، ويكفي نفي الرؤية عن كل واحد وإن نفي رؤية واحد، لا بعينه يقتضي إيراد النفي عليه، ولا لغو في الإجمال، وإنما يلزم اللغو لو فصل؛ لأنه إتيان بما عنه مندوحة هذا، ونحن نقول: ربما يقصد بنفي رؤية واحد لا بعينه السلب الكلي، وإنما يقصد مجرد سلب رؤية الواحد، ويلزم السلب الكلي، فالأول لرد اعتقاد ثبوت الحكم الكلي، والثاني لرد اعتقاد رؤية واحد لا بعينه، ففي: ما أنا رأيت الأحد إشعار بأنه لم يقصد السلب الكلي وإن لزم، بل سلب الأحد على وجه اعتقده المخاطب، وهو أحد لا بعينه فلا يلزم كون السلب الكلي لغوا؛ لأنه من ضرورات ما قصد، ولا يعد لغوا إلا ما تعلق به القصد من غير حاجة، فاندفع لزوم اللغو في: ما أنا رأيت الأحد في رد اعتقاد أحد أيضا، وإن لزوم اللغو في: ما أنا رأيت أحدا مبني على عدم الفرق بين الإجمال والتفصيل.
وأما لزوم اللغو في: ما أنا رأيت أحدا في رد اعتقاد رؤية كل أحد بناء على أن قصد نفي رؤية كل أحد يتأتى بدون نفي رؤية واحد وأحد، فندفع بأن فيه تحقيق نفي رؤية كل واحد، وبيان أن التحقق هو السلب الكلي، بل فيه مبالغة في رد الاعتقاد، إذ يفيد أنه لم ير أحدا فضلا عن كل أحد، واعلم: أن إيلاء المسند إليه المقدم حرف النفي يفيد بظاهره نفي اختصاص الخبر الفعلي، لا اختصاص النفي، وإنما يستفاد حصر النفي، واختصاصه بجعل الاختصاص المستفاد من التقديم واردا على النفي، وإن كان الظاهر ورود النفي عليه، ونظيره كون النفي في الجملة الاسمية لاستمرار النفي، لا لنفي الاستمرار، وكون قوله تعالى: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١) للمبالغة في نفي الظلم لا لنفي المبالغة في الظلم، وهذا المعنى، وإن كان بعيدا عن الظاهر، لكن جعله عرف البلغاء في ما نحن فيه واضحا، والواضح مهجور.