لأنهم مدار التأكيد والتأسيس، ثم بنى عليه استعمال الاستلزام والاقتضاء، وغفل عن أن قولنا: لم يقم كل إنسان سالبة جزئية يصدق في حقها: أن صدقها إما بالسلب عن كل فرد وإما بالسلب عن بعض فقط دون بعض، مع أنها مقتضية للنفي عن الجملة كاقتضاء السالبة الكلية النفي عن كل فرد، وقال السيد السند: إن الواضح أن يقال: لأن مفهوم السالبة الجزئية صريحا نفي الحكم عن البعض، وذلك مغاير لنفي الحكم عن الجملة، لكن يستلزمه كما ذكره الشارح، ولا يخفى ما فيه أيضا؛ لأن صريح قولنا: لم يقم كل إنسان، نفي الحكم عن الجملة مع أنها سالبة جزئية بلا مسامحة، وكأنه اشتباه للسلب الجزئي بالسالبة الجزئية، لأن السلب الجزئي ما يفيد السلب عن البعض، والسالبة الجزئية قضية تفيد السلب عن البعض، إما بمفهومها الصريح، أو بطريق الاستلزام، وهاهنا إنكار مليحة اختفت عن أنظار الفحول، واستقبلتني بالقبول فأبرزتها لبصائر القلوب وأبصار العقول- حفظها الله عن الحاسد المتعصب الجهول- أوليها: إن القوة شاعت في هذا المقام من كتب الميزان في معنى التلازم، فلذا احتاج الشارح المحقق إلى تقييد السالبة الجزئية بوجود الموضوع؛ لئلا ينافي ما حقق به في موضعه أن السالبة المحصلة أعم من الموجبة المعدولة، ولا يخفى أن ما هو بصدده لا يتوقف على دعوى استلزام سالبة المعدولة، بل يكفي فيه استلزام الموجبة المعدولة السلب، فالأولى أن يكون التسامح باستعمال القوة في الاستلزام، وثانيتها: أن الأولى أن يقال: لأن الموجبة المهملة المعدولة المحمول يستلزم إثبات النفي للبعض، فلو لم يفد الكل العموم لزم ترجيح التأكيد على التأسيس، وثالثتها: أن إفادة التقديم العموم لا يخص الجملة الخبرية، فإنه يجرى في قولنا: الكل إنسان ما لم يقم ولم يقم كل إنسان فليس الدليل واردا على الدعوى (دون كل فرد).
وإذا ثبت أن إنسانا لم يقم معناه: نفى القيام عن جملة الإفراد لا عن كل فرد، فلو كان كل إنسان لم يقم كذلك، كان كل تأكيدا لا تأسيسا فيلزم ترجيح التأكيد المرجوح على التأسيس الراجح، فثبت العموم (والسالبة المهملة في قوة السالبة المقتضية النفي عن كل فرد) يريد السالبة المهملة التي موضوعها نكرة بدليل قوله:
(لورود موضوعها في سياق النفي)؛ لأن الورود في سياق النفي يفيد العموم إذا