بل لا يقدر على تصحيحه، وتعيين جواب له، وكان الأصح بخلاف التأخير، وبما بينا من الوجه السديد والسبيل الرشيد استغنيت عن سلوك المسلك البعيد الذي دلك عليه هذا القائل بقوله:(وذلك) أي: كون التقديم مخالفا للتأخير على هذا الوجه اعتبره البلغاء بشهادة الاستعمال (لئلا يلزم ترجيح التأكيد على التأسيس) فهذا بيان الداعي إلى الاستعمال، لا إتمام الدعوى بالاستدلال، حتى يرد أن إثبات المنقول بمحض المعقول بعيد عن القبول، ومن البين أن التقديم في: كل إنسان لم يقم، يشتمل على تكرير الإسناد فيفيد التقوية لا محالة، فلا بد لجعل النكتة فيه إفادة العموم دون تأكيد الحكم من سبب، وذلك السبب أن تقوية الحكم تأكيد وإفادة العموم تأسيس، وترجيح التأكيد على التأسيس كترجيح الخسيس على النفيس، فلا تظن بالبليغ، ولولا منافاة ما يتبع هذا الكلام للحمل على هذا المرام لحملته عليه، ومع ذلك أكاد أجترئ بأن ما يعقبه بيان له من غير صاحبه بما لا يرضى به، وليس هذا أول قارورة كسرت في الإسلام، ولقد بين ترجيح التأكيد على التأسيس لولا التقديم للتعميم والتأخير لا للتعميم؛ لقوله:(لأن الموجبة المهملة)، وهي ما لم يشتمل على ما يفيد كون المحكوم عليه بعض الأفراد أو كله (المعدولة المحمولة)، وهي ما جعل النفي جزأ من مفهومه (في قوة السالبة الجزئية)، وهي التي ذكر فيها ما يدل على أن السلب عن البعض، وهو قسمان: ما يدل على السلب عن الجملة المستلزمة للسلب عن البعض، وسوره ليس كل، وما يدل على السلب عن البعض المستلزمة للسلب عن الجملة، وسوره ليس بعض، وبعض ليس، فالسالبة الجزئية مطلقا لا يقتضي السلب عن الجملة، بل ما كانت مشتملة على رفع الإيجاب الكلي، فلذا وصف السالبة الجزئية مطلقا بقوله:(المستلزمة نفي الحكم عن الجملة)، ولم يقل المقتضية نفي الحكم عن الجملة بخلاف السالبة الكلية، فإن مطلقها صريحة في نفي الحكم عن كل فرد، فلذا يصفها بالاقتضاء.
وقد بعد عن المرام الشارح المحقق في هذا المقام فقال في بيان الاستلزام: لأن صدق السالبة الجزئية إما بانتفاء الحكم عن كل فرد، أو عن البعض فقط ويستلزم التقديرين الانتفاء عن الجملة؛ لأن الكلام في مفهوم القضية دون مناط صدقها؛