للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مثالهما)، أي: مثال إدخال الروع مطلقا وتقوية داعي المأمور (قول الخلفاء:

أمير المؤمنين يأمرك بكذا وكذا) مكان: أنا آمرك ويمكن أن يكون النكتة فيه إظهار النصفية بأني لا أطلب منك مطاوعتي، بل مطاوعة أمير المؤمنين أيا كان (وعليه) أي: على وضع المظهر موضع المضمر للنكتتين قوله تعالى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (١) وحيث لم يقل عليّ؛ لأن في سماع لفظ الله الجامع لجميع صفات اللطف والقهر إدخال روع في قلب السامع ما ليس في سماع ضمير المتكلم، وتقوية الداعي إلى التوكل ما لا يخفى، ولا وجه لتخصيصه بالتقوية، كما فعله الشارح المحقق، والسيد السند في شرح المفتاح (أو الاستعطاف) أي:

طلب العطف والرحمة؛ لأن في المظهر دلالة على ما يوجب إظهاره رحمة المخاطب بخلاف الضمير (كقوله:

إلهي عبدك العاصي أتاكا ... مقرّا بالذّنوب وقد دعاكا

فإن تغفر فأنت لذاك أهل ... وإن تطرد فمن يرحم سواكا (٢)

ولا يخفى أنه لو قال: وإن ترحم فمن يرحم لكان في غاية اللطافة، وكأنه احترز عن لفظ الرحم؛ لشيوعه في وصف الشيطان.

قال الشارح المحقق: حيث لم يقل: أنا العاصي أتيتك على أن يكون العاصي بدلا؛ لأن في ذكر عبدك من استحقاق الرحمة وترقب الشفقة ما ليس في لفظ:

أنا، وفيه- أيضا- يمكن في وصفه بالعاصي كما في قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً إلى قوله: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ (٣) حيث لم يقل: فآمنوا بالله وبي؛ ليتمكن من إجراء الصفات المذكورة عليه، ويشعر بأن الذي وجب الإيمان به بعد الإيمان بالله هو الرسول الموصوف بتلك الصفات كائنا من كان أنا أو غيري إظهارا للنصفة وبعدا من التعصب لنفسه. هذا فقد جعل المظهر الذي هو عبدك مقام أنا في:


(١) آل عمران: ١٥٩.
(٢) البيتان لإبراهيم بن أدهم، وهو في الإيضاح (٧٧)، والمفتاح بتحقيقي (٢٩٥)، ومعاهد التنصيص (١/ ١٧٠)، وشرح عقود الجمان (١/ ١٠٥)، والإشارات والتنبيهات، وقيل نسبا إلى رابعة العدوية.
(٣) الأعراف: ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>