للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه يفهم من التعالل عدم العلة أو جملة دعائية معترضة (تريدين قتلي) الظاهر أردت؛ إلا أنه أراد حكاية الحال الماضية (قد ظفرت بذلك) (١) القتل المحسوس، ويحتمل أن يكون ذلك للإشارة إلى بعد القتل؛ لأنه لكمال شجاعته يبعد عن قلة كل أحد، وهي قد ظفرت بمجرد تعالل (وإن كان) المظهر الموضوع موضع المضمر (غيره) أي: غير اسم الإشارة (فلزيادة التمكين)، وذلك إما لأن ذلك الاسم الظاهر تعليل الاحتمال، وإما لأن الظاهر لما وقع غيره موقعه كان كحدوث غير متوقع فأثر في النفس تأثيرا بليغا، ويمكن فيه زيادة تمكن وفي اختصاصه بغير اسم الإشارة نظر (نحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ) (٢) وعندي: أن ترك الإضمار؛ لأنه يتبادر الذهن منه إلى الشأن الذي ذكر آنفا، ولا يبعد أن يكون من نكات وضع غير اسم الإشارة موضع الضمير التنبيه على بلادة السامع، حيث لا يفهم الضمير، وادعاء الخفاء بحيث لا يتضح إلا بتكرار البيان الواضح (ونظيره)، ولا خفاء في أنه لا حاجة إلى قوله (من غيره).

قوله تعالى: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (٣) أي: ما أنزلنا القرآن إلا بالحكمة المقتضية لإنزاله، وما نزل إلا بالحكمة، ولا يخفى أن الظاهر: فبالحق نزل؛ لأنه لازم الإنزال بالحق، إلا أن يقال: المراد بالإنزال تقدير النزول.

قال السيد في شرح المفتاح: لو فسر الحق بالأوامر والنواهي لم يكن مما نحن فيه، قلت: وحينئذ يكون الواو في موقعه (أو إدخال الروع في ضمير السامع) المهاب (وتربية المهابة) والإخفاء. وإن إدخال الروع في الضمير المهاب وتربية المهابة واحد فلذا عطف بالواو، ولو أريد إدخال الروع ابتداء لكان مخالف تربية المهابة؛ لأنها إدخال الروع بعد وجوده، وقيل مع ذلك: هما متقاربان، والمقصود منهما بيان نكتة واحدة، وهي إدخال الروع، فلذا لم يعطف بأو، وقلت: ولم يقل مثالها، بل مثالهما إشارة إلى أن القصد من الإدخال، ولتربية إلى نكتة واحدة: (أو تقوية داعي المأمور) إلى ما أمر به، وهو عظمة الأمر


(١) اللبيت لابن الدمينة شعره ص ١٦ والإيضاح (١/ ١٥٥) ونهاية الإيجاز ص ١١٠ والمفتاح ص ٢٩٤.
(٢) الإخلاص: ١، ٢.
(٣) الإسراء: ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>