والمعنى: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم كما سيجيء، فالمعبر عنه في الجميع المخاطبون وفيه نظر؛ لأنه لم يعبر عن المخاطبين بضمير المتكلم؛ بل إنهم المعرض بهم بهذا الكلام من غير الدخول وفي العبارة ونظم التركيب، ثم قال: فإن قلت: حينئذ قوله يكون «ترجعون» واردا على مقتضى الظاهر، والالتفات يجب أن يكون على خلاف مقتضى الظاهر، قلت: لائم أن قوله: ترجعون على مقتضى الظاهر؛ لأن الظاهر يقتضي أن لا يغير أسلوب الكلام، ويجري اللاحق على سنن السابق، وهذا الخطاب مثل التكلم في قوله: بناء جاءني، وقد قطع المصنف بأنه وارد على مقتضى الظاهر، وزعم أن الالتفات عند السكاكي لا ينحصر في خلاف مقتضى الظاهر، وهذا مشعر بانحصاره فيه عند غير السكاكي وفيه نظر؛ لأن مثل: ترجعون وجاءني في الآية والبيت التفات عند السكاكي وغيره، فلو كان واردا على مقتضى الظاهر لما انحصر الالتفات خلاف مقتضى الظاهر عند غير السكاكي أيضا فلا يتحقق اختلاف التفات بينه وبين غيره، ثم الحق أنه منحصر في خلاف مقتضى الظاهر، وأن مثل ترجعون وجاءني من خلاف المقتضى على ما حققناه. هذا كلامه.
ولو نظر في كلام المصنف حق النظر لا يتجه عليه شيء مما ذكر؛ لأنه قال في الإيضاح: وأما قول امرئ القيس: تطاول ليلك ... إلخ، فقال الزمخشري: فيه ثلاث التفاتات وهذا ظاهر على تفسير السكاكي؛ لأن في كل بيت التفاتا على تفسيره، لا يقال: الالتفات عنده من خلاف مقتضى الظاهر، فلا يكون في البيت الثالث التفات؛ لوروده على مقتضى الظاهر؛ لأنا نمنع انحصار الالتفات عنده في خلاف المقتضى لما تقدم- هذا كلامه- ولا يخفى على الناظر أنه مانع، ولا زعم للمانع، وتقييد عدم الانحصار بكونه عند السكاكي إنما يشعر بثبوته عند غيره على القول بمفهوم المخالفة، وهو إنما يثبت عند قائله إذا لم يكن للتقييد فائدة أخرى، وله في كلام المصنف فائدة أخرى ظاهرة، وهو أن المقصود منه دفع الاعتراض على المقدمة القائلة بأن في كل بيت التفاتا عند السكاكي، ثم الحق أن نظائر يرجعون على مقتضى الظاهر نظرا إلى الوضع، وعلى خلافه نظرا إلى الأسلوب، كلام المصنف في نفي الالتفات بناء على أنه على مقتضى الظاهر مبني