للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى المفعول الثاني بالباء، أي: جعل المخاطب متلقيا غير ما يترقب (بحمل) أي: بسبب حمل (كلامه على خلاف مراده تنبيها على أنه) أي: ذلك المخالف (أولى بالقصد) وأقول: أو هو الواجب أن يقصد على حسب تفاوت المقامات، وكونه أولى إما بالنظر إلى المتكلم أو المخاطب أو غيرهما، ولا يخفى أن التلقي لا يتوقف على حمل كلامه على خلاف مراده، بل يصح أن يكون للتنبيه على أن غيره أولى بالإفادة والتخاطب به، فالحمل على خلاف المراد مؤنة لا حاجة إليه (كقول القبعثري (١) للحجاج (٢) وقد قال) الحجاج متوعدا له. أشار بقوله:

وقد قال وجعله حالا أنه قال ذلك بديهة، وأكد فطانته بقوله: متوعدا له، حيث لم يحل بينه وبينها وعيد الحجاج (لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل الأدهم والأشهب) (٣) نبه الحجاج أنه الأولى بالقصد نظرا إلى حال الأمير، كما أشار إليه المصنف، ولو كان قصده إلى أنه الأولى بالقصد نظرا إلى المخاطب يقال: مثلي حمل على الأدهم والأشهب، أي: الفرس الذي غلب سواده حتى ذهب البياض، والفرس الذي غلب بياضه حتى ذهب ما فيه من السواد وضم الأشهب للقرينة على المراد بالأدهم، أو لإفادة أنه لا ينبغي أن يكتفي بالأدهم (أي: من كان مثل الأمير في السلطان) الغلبة (وبسطة اليد) أي: الكرم والنعمة والمال (فجدير بأن يصفد).

قال الشارح: بأن يعطي من الأصفاد (لا أن يصفد) من حد ضرب أي


(١) القبعثري: من زعماء الخوارج وفصحائهم، ويقال: إنه كان يوما مع صحابة له في بستان، وذكر الحجاج، فدعا عليه قائلا: اللهم سوّد وجهه، واقطع عنقه، واسقني دمه، فلما ظفر الحجاج به، سأله عن ذلك، فقال: أردت العنب، فقال الحجاج: لأحملنّك ....
(٢) هو الحجاج بن يوسف الثقفي، أبو محمد: قائد، داهية، سفّاك، خطيب، ولد ونشأ في الطائف وانتقل إلى الشام فلحق بروح بن زنباع نائب عبد الملك بن مروان، فكان في عديد شرطته ثم ما يزال يظهر حتى قلده عبد الملك أمر عسكره، وأمره بقتال عبد الله بن الزبير، فزحف إلى الحجاز بجيش كبير وقتل عبد الله وفرّق جموعه، فولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليها العراق والثورة قائمة فيها، فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة، وبنى مدينة واسط، قال عنه عمرو بن العلاء: ما رأيت أحدا أفصح من الحسن البصري والحجاج، مات بواسط سنة ٩٥ هـ- انظر ترجمته في الأعلام ٢/ ١٦٨، معجم البلدان (٨/ ٣٨٢)، وفيات الأعيان (١/ ١٢٣).
(٣) الأدهم في كلام الحجاج بمعنى القيد من الحديد، وفي كلام القبعثري بمعنى الفرس الأسود، أما الأشهب فهو الفرس الأبيض بياضا يتخلله سواد.

<<  <  ج: ص:  >  >>