للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون أولى بالنسبة إلى من لا يطلع بسهولة على السبب، وظاهر الخطاب خلافه وأن معرفتهم من بيانه صلّى الله عليه وسلّم، مع أنهم غير مستعدين بها يكون معجزة أخرى.

وفي الوجه الثاني: أن في معرفة سبب ذلك ظهور وكمال قدرة الله وظهور معجزة شاهدة على صدق نبوته صلّى الله عليه وسلّم بحيث صاروا ببيانه عالمين بالسبب، مع بعدهم عن فهمه، فالأولى أن يقال: الأولى بحال من لا يعرف أحكام الشريعة تقديم معرفة الأحكام، أو الأولى حين السؤال عن أفعاله تعالى هو السؤال عن حكمه لا عن أسبابه؛ لأنه الفاعل المختار المستغني عن السبب (وكقوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١) سألوا عن بيان ما ينفقون، فأجيبوا ببيان المصارف تنبيها على أن المهم هو السؤال عنها؛ لأن النفقة لا يعتد بها، إلا وأن تقع موقعها، وكل ما هو خير فهو صالح للإنفاق، فذكر هذا على سبيل التضمين دون القصد كذا في الشرح، ويحتمل أن يكون وجه كون بيان المصارف مهمّا لهم دون نفس النفقة. إن نفقاتهم كانت على وجه لا قصور فيها، لكن كانوا أهل التفاخر والمباهاة فيصرفونها إلى الأباعد وأرباب الجاه والثروة، فأجيبوا ببيان المصارف (٢) تنبيها على أن المهم لكم في الإنفاق ذلك؛ لأن خطأكم فيه في المصرف لا فيما تصرفون (ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه)، وكأنه اعتمد على أنه يتنبه من له فطنة أن التعبير عن الماضي بلفظ المضارع- أيضا- من خلاف مقتضى الظاهر، لا لنكتة تبين في محلها، ولم يتعرض له لذلك، لا لاختصاص بخلاف مقتضى الظاهر بما ذكره، بل كل مجاز كذلك (نحو: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (٣) سها، فوضع، فصعق مكان، ففزع، ويبعد أن يقال: لم يمثل بالقرآن، بل تركيب مصنوع له وافق أكثره لفظ النظم (ومثله) في كونه خلاف مقتضى الظاهر أو في النكتة وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٤) أي: التعبير عن المستقبل


(١) البقرة: ١٨٩.
(٢) للتنبيه على أنه المهم لهم.
(٣) النمل: ٨٧.
(٤) الذاريات: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>